قوة جديدة ضربت بجذورها في باطن المجتمع المصري، وأصبحت ذات تأثير لا يمكن تجاهله أو تغاضي ما يدور على صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. إنها جمهورية السوشيال ميديا، فإنه لا يمكننا غض الطرف والبعد عما يدور في العالم الافتراضي خاصة إذا كان يمس حياتنا وأمور بلادنا.
تلك الجمهورية المستقلة تحركها الأيادي الخفية أو الأغراض الشخصية أو تصفية الحسابات أو حتى تكدير سلم المواطنين والتأثير على الجبهة الداخلية والرأي العام أحيانا لصالح جهات أو دول أو منظمات لها حسابات تضر بالبلاد والعباد.
ويأتي الانسياق خلف الترندات والهاشتاجات وتداولها دون فهمها والتعليق عليها بصورة أو بأخرى يزيد الأمور تعقيدا ويؤثر أحيانا على متخذ القرار الذي قد يضطر إلى اللجوء لإجراءات عاجلة إرضاء للرأي العام حتى وإن كانت غير منصفة.
وباتت الحملات المنظمة عبر التواصل الاجتماعي بصفحاته المختلفة سواء كانت مدفوعة أو غير مدفوعة طريقة تعبير سلمية جديدة في ظاهرها بصرف النظر عن حقيقة أغراضها، وأصبحت نتائجها مضمونة مما عزز تكرارها والتأكيد عليها وزيادة متابعيها وناقليها سواء كانت تستهدف الدولة أو الحكومة أو المسؤولين أو الفنانين ولاعبي الكرة والشخصيات العامة وحتى في النزاعات بين الأفراد.
لا ننكر أن بعض هذه الحملات تكون أحيانا مفيدة لبعض المظلومين ومسلوبي الحقوق الذين يفشلون في عرض مظالمهم ومآسيهم، وخصوصا المرضى وضحايا الإهمال الطبي والبلطجية ومآسي الطلاب وأولياء أمورهم مع وزارة التعليم، وقصص وحكايات المواطنين في دواوين الوزارات والمصالح الحكومية ويجد مثل هذا النوع غالبا طريقا سريعا للحل بعد ضغط السوشيال ميديا.
لكن هناك حملات توجه سهامها إلى الدولة وإنجازاتها وتشويه مكتسباتها يستخدم أصحابها النقد الهدام الذي لا يرتكز على القيم الأخلاقية ولا المعايير القانونية، غير مدركين أنهم يتعاملون مع وسائل إعلام دولية، وأنهم في صراعهم – حتى وإن كانوا على حق- تصيب سهامهم الدولة نفسها وتؤثر عليها بصورة سلبية في الخارج.
هنا تكمن الخطورة التي يجب التوقف أمامها طويلا، فلابد من أن نفرق بين خلافنا مع الحكومة مثلا أو أحد مسؤوليها وبين مصر الوطن الأكبر.. الحكومة أشخاص وسياسيات تتغيرويتغيرون معها، يأتون ويرحلون وتبقى مصر.
يجب أن نفرق بين حب مصر وحب الحكومة، فالنوع الأول فرض عين علينا جميعا لأن الوطن هو الحماية والأمن والأمان والاستقرار ورمز الهوية والتاريخ والحضارة والفخر، ومستقبل الأجيال القادمة وعزوتنا بين الأمم والشعوب، لذا فإننا مطالبون أن نعمل على تركيز دعائمه واستقراره داخليا وتحسين صورته خارجيا، وأن يبقى أهله في رباط إلى يوم الدين، بل إننا مطالبون أن نستخدم السوشيال ميديا للدفاع والتصدي عن بلادنا ضد أي محاولة تشويه خارجية تستهدف النيل من الوطن، مشاكلنا تطرح داخليا وتناقش هنا، أما إثارتها وتدويلها على السوشيال ميديا فتلك خيانة تستوجب العقاب.
النوع الثاني وهو حب الحكومة، فذلك ليس فرضا على المواطنين، فالحكومة أفراد والاختلاف والاتفاق معها واجبان ومتغيران حسب المواقف والسياسات والخلاف مسموح والنقد أيضا، وحتى المطالبة بتعديل المسارات، لكن في النهاية لست مجبرا على حب الحكومة تحت أي ظرف من الظروف.
هناك نموذج مشرف لحب الوطن شهدته دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعرضت لإعصار مدمر خلال الأيام الماضية وظهر العديد من مقاطع الفيديو والصور التي وثقت الكارثة الطبيعية، حيث غرقت السيارات في الشوارع وداهمت المياه المنازل وأدت العواصف الرعدية إلى العديد من الكوارث، وتكتل الشعب الذي يحب بلده ويضحي من أجلها ضاربا أروع الأمثلة في إظهار دولته بطريقة قوية غير متأثرة بغضب الطبيعة ومدافعا عن صورتها في الخارج، ولم يوجه مواطنا واحدا سهامه للدولة على السوشيال ميديا متهمها بالفشل أو «الغرق في شبر ميه».
باختصار.. آن الأوان لندرك قيمة الكلمة وخطورتها في السماوات المفتوحة، فمصر تستحق من أهلها كل الحب والتقدير والتفاني في خدمتها والدفاع عنها داخليا وخارجيا تحت كل الظروف.. نعم كلنا مطالبون أن نحب مصر ولسنا مطالبين أن نحب الحكومة.