في طريق الحرية والتحرير والاستقلال تتناثر جثث آلاف الشهداء على جوانبه وتحت الأنقاض، فالأرواح دائما هي الثمن الحقيقي للخلاص من الاستعمار، وكل الشعوب التي نالت حريتها دفعت أعز ما تملك من خيرة شبابها وشيوخها وأطفالها ونسائها لتنال حريتها، وما يحدث في غزة الآن نمودج حي يجسد تلك الحقيقة.
كل شعوب العالم تقريبا نالت حريتها وفكت قيودها إلا الشعب الفلسطيني، الذي مازال يئن تحت وطأة الاحتلال والاستعمار، وما أكثر النكبات والحروب التي تعرض لها على مدار أكثر من 7 عقود، وما زادهم إلا صمودا وتمسكا بالأرض ليتوارث الدفاع عن القضية أجيالا تزيدهم المجازر والمشانق صلابة في مواجهة العدو الصهيوني والدعم الدولي.
والسؤال الذي يفرض نفسه، هل أخطأت حماس في إطلاق شرارة الحرب في السابع من أكتوبر الماضي في هجوم غير مسبوق دون سابق إنذار؟.. البعض يتهم حماس بأنها السبب فيما تعرضت له غزة من دمار ومجازر ومحارق وآلاف الشهداء والجرحى، لكننا في الحقيقة نرى أن ما قامت به حماس كان سببا مباشرا في طرح القضية على المحافل الدولية، ونقلها من مفاوضات الغرف المغلقة إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وطرح حل الدولتين على مائدة المجتمع الدولي، وأن فاتورة الشهداء في طريق الحرية ثمنا مقبولا، فقد دفعت الجزائر مليون شهيد ثمنا لحريتها.
ما قامت به حماس قبل أكثر من عام من الانتخابات الأمريكية المقبلة في الخامس من نوفمبر القادم كان أمرا جيدا لطرح القضية الفلسطينية بقوة، بهدف الوصول إلى حلول فلأول مرة يطرح حل الدولتين بهذه القوة على مدار تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو اختيار مناسب لأنه في حال فوز دونالد ترامب فإن الأمور ستزداد تعقيدا لأنه من أكثر الرافضين لوجود دولتين، ومن أشد المؤيدين والمتعصبين للعدو الصهيوني.
من قبل رفضت إدارة ترامب فكرة حل الدولتين وأنها ركيزة التسوية السلمية في الشرق الأوسط، وأنها ليست الخيار الوحيد لتحقيق سلام بين إسرائيل وفلسطين.
ومؤخرا شكك ترامب بإمكانية نجاح تطبيق حل الدولتين، مؤكدا أن ذلك سيكون صعبا للغاية في ظل الظروف الحالية.. الأمر الذي يعود بالمفاوضات وبمسار القضية إلى النقطة صفر.
باختصار.. حرب غزة التي انطلقت منذ السابع من أكتوبر الماضي ومازالت مستمرة حتى الآن في أكبر هولوكوست إنسانية يشهده العصر الحديث على أيدي تتار الصهاينة الذين اخترقوا كافة المواثيق والقوانين الدولية، عادت رغم ضراوتها وضحاياها من الشهداء والمصابين بالعديد من المكاسب على الشعب الفلسطيني.
فقد حطم طوفان الأقصى أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكان الشرارة التي وحدت الشعب بكل طوائفه، وأظهرت القوة الحقيقية للمقاومة على أرض الواقع ووحدت الجهود خلف القضية المشروعة، والأهم من ذلك كله هو تدويل القضية في كافة المحافل الدولية وإحداث رد فعل قوى تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية إقليميا وعالميا وحتى داخل إسرائيل نفسها.
وأخيرا هل تتوج جهود الفلسطينيين بالوصول إلى هدنة دائمة وحل للدولتين قبل عودة ترامب إلى سدة الحكم مرة أخرى، فما عاد الشعب الفلسطيني يستطيع أن يدفع فواتير جديدة في طريق الاستقلال.