مصر تحتاج إلى إستراتيجية وطنية مستقبلية ثابتة تلبي طموحات الوطن والمواطن، تحتاج إلى منظومة من القوانين والتشريعات المتطورة، تحتاج إلى رؤى طموحة وخطط متوالية تحقق أهداف محسوبة بدقة تعمل على تقدم الوطن ورقي المواطن في كافة النواحي.
لو كنا نعمل خلال إستراتيجية واضحة المعالم لكان وضعنا أفضل مما نحن عليه بكثير الآن، بدليل أن دولا رأت النور منذ سنوات سبقتنا بسنوات ضوئية، وباتت بالنسبة لنا حلما، وبات واقعها مثلا يُحْتَذَى.
مشكلتنا أننا لا نحدد خططاً زمنية لتحقيق أهداف محددة لننطلق منها إلى خطط جديدة فيولد النجاح نجاحاً جديداً، وإنما نتوقف دائما في منتصف الطريق لنبدأ من جديد لاحتمالات أن تكون الخطة أساسا غير مدروسة، أو أن دراسات الجدوى التي أعدت لها تفتقد العلم والرؤية السليمة، أو أن القائمين عليها تولوا أمرها لأنهم من أهل الثقة، المهم أننا نعود إلى النقطة صفر على طريقة «لله يا زمري».
حتى إذا حققت التجربة أو المشروع هدفه القصير أو مرحلته الأولى، فإنه يتوقف والسبب إما أن القائم عليه تم تغييره فذهب والشفرات في ذهنه، أو أنه لا يملك رؤية للمرحلة القادمة فيقف عند مرحلة «يا ليلة العيد أنستينا»، أو أن المسؤول الجديد يهدم نجاحات من سبقه، ويهيل عليها التراب، ويقرر أن يبدأ من جديد، ونحن ننشد من خلفه «اللي مشيته رجعت أمشيه».
هذا هو الفرق الكبير بين دولة وأخرى، البعض يضع إستراتيجية واضحة المعالم في إطار سياسة وخطط الدولة المستقبلية، التي قد تمتد إلى عدة عقود تصل إلى قرن أو أكثر من الزمان، وتكون مسؤولية الوزير أن يأتي لينفذ ما في الإستراتيجية من خطط يجوّد عليها إن استطاع، ويحاسب إذا أخفق.
وفي حال الاستغناء عن الوزير يبدأ خلفه من حيث انتهى ليستمر العطاء، وتتعاظم العوائد، ويجني الشعب ثمار الرخاء، وتزداد مدخرات الدولة، وتمتلئ خزانتها، وتزداد قوتها.
وبعض الدول ولا سيما في العالم الثالث تتبع إستراتيجية السلحفاة والفكر الواحد والمراحل المتقطعة فيأتي الوزير إلى الوزارة بفكره الجديد، وخططه وشلته وإستراتيجيته التي تحتمل الثواب والخطأ، ويتعامل مع الشعب على طريقة «فئران التجارب»، ومع من سبقه بمدرسة «انسف حمامك القديم»، ويذهب عقب انتهاء مدته، وقد أحدث أثارا سلبية تضر بالدولة وبالشريحة التي كان مسؤولا عنها ليأتي غيره بمدرسة جديدة ربما كانت أكثر إيلاما.
باختصار… نحن في حاجة إلى تشكيل لجنة وطنية متخصصة تضم عقول مصر وخبراتها سواء من الطيور المهاجرة أو المقيمين في أرض الوطن من كافة التخصصات لوضع خطة إستراتيجية وطنية طويلة الأمد تصنع أفاق المستقبل، لتنهض بالدولة من عثرتها، وتفتح باب الأمل أمام الأجيال القادمة.
حاجتنا للإستراتيجية أهم من حاجتنا للوزارة الجديدة، نحن بحاجة إلى وزارة تنفذ سياسات مدروسة وخطط معلومة نحاسبها عليها إذا أخفقت، ونشيد بأدائها إذا أحسنت، لتذهب ويأتي غيرها يكمل المشوار، ويحقق الأحلام والآمال، أما نظرية خطوة للأمام وأخرى للخلف فإنها لا تؤسس أوطانا، ولا تقيم بنيانا… نحتاج لنعرف حجم الكارثة التي أصبحنا فيها إلى مراجعة أداء الوزراء خلال سنوات مضت، ومردودها على حياة المواطن الذي أوشك أن يكون في خبر كان، ضحية لوزارات الكلمات المقاطعة.