الفقر والجهل والمرض.. ثالوث يدمر حياة أعظم الأمم، وينهي مستقبلها، ويخلق أجيالاً مشوهة لا تستطيع أن تجد لها مكاناً بين العالم.
نعم.. البطون إذا جاعت، والأجساد إذا نخرها المرض، والعقول إذا عشش فيها الجهل، فقل على الأمة السلام.
المكاشفة وصدق النوايا هي أقصر الطرق لتأصيل العلة ومحاولة العلاج على أسس سليمة، بعيدا عن مدرسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، فالرياح العاتية سوف تذهب بالرمال بعيدا، ولن تجد النعامة ملجأ للاختباء فيه، ولا سبيل للنجاة إلا المواجهة.
أما الفقر أو الحالة الاقتصادية الصعبة التي دقت رقاب العباد، بعدما أصبح الغلاء حديث الساعة، بسبب القفزات المتوالية في الأسعار التي فاقت قدرات جميع الطبقات، فقد باتت فوق الاحتمال، ولا بدَّ من تدخل قوي للدولة لفرض الحماية الاجتماعية، وبسط يدها القوية لإعادة هيبتها من جديد إلى الأسواق عبر آليات رقابية مشددة وضرب المتلاعبين بأقوات المصريين بيد من حديد.
الأمر الآخر الذي ألهب الأسواق مؤخرا، وزاد الأمر صعوبة لا تحتمل، وحمل على كاهل المصريين ما لا يطوقونه هو الأشقاء السودانيين.
الحكاية ببساطة أننا تعلمنا منذ نعومة أظافرنا وحفظنا عن ظهر قلب بيت الشعر «يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا.. نحن الضيوف وأنت رب المنزل»، لذا فإننا لم نجد غضاضة في أن تفتح البلاد أبوابها أمام الأشقاء من الدول التي يوجد بها نزاعات وحروب، لينعموا بالعيش بيننا حيث لم تقم لهم مصر المخيمات أو تعاملهم على أنهم لاجئون.
وقدر عدد الإخوة في بلدهم الثاني مصر بالملايين، عراقيين وليبيين، وسوريين وفلسطينيين، ويمنيين، دون مشكلة تذكر، إلى أن شهد السودان الشقيق حربا أهلية، وفتحت لهم مصر الأبواب أسوة بإخوانهم مرحبة بهم ومقدمة لهم كل الدعم.
الأمر إلى هنا لا غضاضة فيه، ويا ليتهم اتخذوا من الأشقاء السوريين مثلا لأنهم عملوا، واجتهدوا وفتحوا مشروعات جديدة، ولم يضاربوا على المصريين، ولم يضيقوا عليهم الخناق في أرزاقهم.
لكن الأشقاء السودانيين الذين توطنوا في أحياء كاملة رفعوا أسعار إيجارات الشقق السكنية بصورة مغالى فيها زادت العبء بدرجة كبيرة على المستأجرين المصريين الأمر الذي دفع الملاك لإنهاء تعاقداتهم، أو عدم التجديد لهم، للتأجير للأشقاء السودانيين الذين يدفعون ببذخ، فارتفعت أسعار الإيجارات لأكثر من 150% أما الإيجار المفروش فقد زاد لأكثر من 6 أضعاف، والتمليك حدث، ولا حرج.
وإذا كان السكن نموذجا فإنه ينطبق على كثير من أمورنا الحياتية الأمر الذي يزيد من أعباء الدولة ومسؤوليتها في الحماية الاجتماعية، فكاهل المصريين لا يتحمل المزيد من الأعباء.
الضلع الثاني للثالوث المدمر هو الجهل، الذي لا يعني هنا الأمية، وإنما ذلك النظام التعليمي الفاشل المبني على الحشو والتلقين والحفظ دون فهم، ولذلك يكون الغش فيه أقصر الطرق للنجاح.
الطالب المصري يضيع عمره في حفظ وتخزين معلومات يستطيع الحصول عليها بكبسة زر على الإنترنت في ثوانٍ معدودة، وأصبحت الجامعات تعطي شهادات تخرج لحاملي مؤهلات عليا أميين.
نحن نحتاج إلى ثورة تعليمية ومدرسين مؤهلين، وطلاب يدرسون وفق مناهج متقدمة ومتطورة منذ الحضانة وحتى الجامعة، فإذا كنا نريد لبلادنا التقدم فلابد أن يقود العلم القاطرة.
الضلع الثالث للثالوث المدمر هو المرض، وهذا الشق المرعب لا يتعلق فقط بارتفاع أجور الأطباء ولا بأسعار المستشفيات الخاصة، ولا بفقر غالبية المستشفيات الحكومية خاصة في المراكز والقرى والنجوع، ولكن الأخطر من كل ذلك هو اختفاء الدواء.
وأصبحت رحلة البحث عن الدواء أشبه بالمهمة المستحيلة، واختفت عشرات الأدوية، بل المئات من الصيدليات، وأصبحت معاناة كل المرضى وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة هي البحث عن كورس الدواء، حتى البدائل لم تعد متوفرة -وإن وجدت- فالأسعار وفقا للعرض والطلب، ورفع الجميع شعار أرجوك أعطني هذا الدواء.
باختصار.. الثالوث المدمر يهدد حياة المصريين بقوة، والأمر يحتاج أن تستحدث الحكومة الجديدة وزارة للجبهة الداخلية تكون مهمتها فرض الحماية اللازمة لطبقات الشعب المختلفة ووضع الخطط وتشريع القوانين للحفاظ على سلامتها وتحقيق أمنها ومنعها من الاندثار.