بالأمس القريب، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في واحدة من أغرب عمليات الاغتيال التي طالت القادة حول العالم، هذا الذي قيل عنه رجل “هادئ” وصاحب خطاب “رصين ومنفتح” على مختلف الفصائل حتى تلك المنافسة لحركته، بينما قال عن وزير التراث بالكيان الصهيوني “إن موت هنية يجعل العالم أفضل قليلا”، كونهم يرون أن هذه هي الطريقة الأفضل أو الصحيحة لتطهير العالم – حسبما يرون.
إسماعيل هنية الذي قضى حياته ما بين المعتقلات الإسرائيلية وبين المقاومة والصبر والجلد على فقدان أبنائه وأحفاده على يد الاحتلال، مهما اختلفنا حوله وحول مواقفه السياسية أحيانا، إلا أنه لا شك أن يكون اسمه بين الشخصيات الأبرز حول العالم فيما يعرف بالمقاومة المسلحة.
اغتيال هنية كان متوقعا وربما كان معلن عنه صراحة، حتى هو نفسه كان يعيش ينتظر الموت في أي لحظة ليلحق بأفراد عائلته، والدوافع والأسباب كلها موجودة بالتأكيد، لكن ما يثير الدهشة هي الطريقة التي اغتيل بها أبا العبد إسماعيل هنية، في أحضان هذه الأرض التي شهدت موت الرئيس إبراهيم رئيسي مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية كانت تقلهما مع مسؤولين آخرين في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، والتي كانت هي الأخرى موتة غريبة، حتى طريقة البحث عن الجثامين كنت أغرب.
دولة نووية بحجم إيران لا تملك طائرات بحث ليلية، فيستعان بطائرات تركية، طائرات تأمين تعود دون طائرة الرئيس دون إبلاغ، تحقيقات ونتائج لم تعلن حتى الآن، ولربما لم تجر من الأساس.
لم تمر أيام معدودات، وكان حادث اغتيال هنية في مقر إقامته في طهران، والذي قالت عنه السلطات الإيرانية إنه تم بواسطة الاحتلال الإسرائيلي الذي استهدف أبا العبد بهجمات صاروخية مسيرة، دون إحراج أو خجل بأن مثل هذه الكلمات فيها اتهامات كثيرة لإيران ذاتها، كيف لدولة نووية كبيرة تمتلك واحدة من أقوى الأجهزة المخابراتية والتي تأتيها تصنيفها السابع حول العالم، فضلا عن أنها تمارس مراوغات سياسية وأمنية وعسكرية عالمية على الساحة الدولية أن ينفذ على أرضها عملية إرهابية مخابراتية كهذه؟، كيف لإيران اللاعب الاستراتيجي القوي على الساحة ألا يستطيع أن يحمي ضيوفه الذين يشاركون في تنصيب رئيس بلادهم؟.
أم بالأحرى أن نقول إن طهران باتت خارج حسابات القوى الدولية، تُخترق أجهزتها ويُخترق أمنها القومي وتنفذ على أرضها عملية اغتيال دقيقة المعلومات والتوجيه كهذه؟.
ثمة أمر غريب آخر حدث كما حدث في حادث رحيل “رئيسي”، أن الأخبار والبيانات المتداولة إعلاميا أصبحت متضاربة أيضا في حادث اغتيال “هنية”، المصادر الرسمية في إيران تقول بلا خجل إن إسرائيل نفذت الحادث واغتالت أبا العبد في سريره بطائرة أو هجمة صاروخية مسيرة، بينما يقول نائب رئيس المكتب السياسي لحماس خليل الحية، إن هنية اغتيل بصاروخ أصابه بصورة مباشرة، وذلك وفقا لشهود كانوا معه في إيران، مشيرا إلى أن الصاروخ أدى إلى تدمير النوافذ والأبواب والجدران في غرفته، كما تشير تقارير صحفية إسرائيلية إلى أن الصاروخ الذي قتل هنية في طهران، أطلق من داخل إيران، ولم يأت من طائرة أو مسيّرة” كما زعمت طهران.
هذا التضارب والتناقض في البيانات والمعلومات يؤكد أن ثمة أمر غريب وموتر حاصل وسيحدث الأكثر منه بشاعة، لكن المؤكد وغير قابل للنقاش بأن احتمالين لا ثالث لهما، إما طهران متواطئة مع الكيان الصهيوني، أو ثمة “اختراق أمني كبير” داخل إيران، سمح باستهداف أبرز قائد سياسي لحماس، ويشير إلى مزيد من الخطورة التي سيشهدها المستقبل والأمن القومي العالمي.