أنفاق غزة حكايات وأسرار ولوغاريتمات، أصبحت صداع في رأس إسرائيل، وفك طلاسمها بات عصيا على ترسانة اليهود العسكرية التي وقفت عاجزة عن حل لغز عالم الأنفاق في أرض الأنبياء.
استنفذت إسرائيل كل قواها ووسائلها التكنولوجية الحديثة خلال 60 يوما للتخلص من أنفاق غزة دون جدوى، وفشلت في معرفة عددها لتبقى الأنفاق حائط الصد المنيع لحسم المعركة، وربما شهدت الأيام المقبلة مفاجآت من داخلها تغير مسار الصراع وموازين القوى.
ستون يوما منذ السابع من أكتوبر الماضي، وإسرائيل تبحث عن رعاياها المحتجزين لدى حماس، بل وتلهث وراء أعضاء حماس في كل مكان دون جدوى، وأصابهم اليأس بعدما باتت غزة كلها تقريبا تحت أيديهم وجن جنونهم لفشلهم في تحقيق أهدافهم.
الحقيقة أن سر الأنفاق أجابت عليه صحيفة فايننشال تايمز، أن أنفاق غزة ليست بالمعنى السطحي، وإنما هي مدن كاملة تحت الأرض مجهزة بكافة التجهيزات، ومشيدة بطرق تجعلها تتحمل المخاطر وتواجهها، وربما امتدت لأكثر من دور تحت الأرض.
إسرائيل فشلت في معرفة أعداد الأنفاق، واستخدمت كل أنواع التكنولوجيا المتاحة لديها ولدى حلفائها الأمريكان والأوروبيين، من الروبوتات مرورا بالكلاب والأقمار الصناعية والمسيرات، إلا أن الفشل كان حليفهم دائما في الوصول إلى أخر الأنفاق لأنها ممتدة إلى مالانهاية في باطن الأرض.
وكشفت الصحيفة أن قوات الاحتلال وضعت أكثر من فكرة للخلاص من الأنفاق وتدميرها دون جدوى، الأمر الآخر هو الرعب الذي يصيب إسرائيل من فكرة اقتحام الأنفاق، والسبب أن جنود الاحتلال يعرفون جيدا أنها مقابر أعدت لهم، لأنها مفخخة على أعلى مستوى، ومن ناحية أخرى سيتم اصطيادهم بداخلها بصورة تجعل نسبة الضحايا والإصابات في الجيش الإسرائيلي أكثر مما يتوقعون.
وبحث الاحتلال عن طرق بديلة تساعده في القضاء على هذه الأنفاق، حيث تلقى عرضا من شركة بلاك وتر الأمريكية صاحبة الأعمال السابقة في العراق، لفك لغز الأنفاق، وقدمت الشركة عروضا منها إغراقها بالكامل عن طريق غمرها بالماء بصورة منتظمة، الأمر الذي سوف يساعد على خروج المختبئين بداخلها ومعهم الرهائن طلبا للنجاة، ولكن هذه الطريقة التي تعتمد على مضخات المياه باءت بالفشل خوفا من تجهيز الأنفاق بمضخات لنزح المياه وتصريفها.
واقترح قادة جيش العدو ضرب قنابل الدخان الكثيف في عمق الأنفاق بهدف أن كثافته سوف تتسرب من فتحات الأنفاق المختلفة الأمر الذي يحدد أبعادها فيمكن السيطرة عليها وتدميرها.
ونقلت الصحيفة عن خبراء عسكريين إسرائيليين، أن الفكرتين فشلتا في تحقيق الهدف.. وبالطبع كان ذلك نابعا من خوفهم في المقام الأول على الرهائن، والأمر الثاني أن الاحتلال يأمل في الإمساء بعناصر حماس أحياء، وأن فكرة العثور عليهم أموات تعد مكسب منقوص، لأنه في النهاية حياتهم تحت يديه تعني له الكثير.
وأخيرا يفكر جيش الاحتلال وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، بغمر الأنفاق بمياه البحر أو مياه الصرف كحل نهائي خلال الأسابيع القادمة، إلا أنه لم يتخذ قرار حاسم بشأن هذه الخطوة.
الجيش الإسرائيلي الذي يلهث خلف قادة حماس ورجال المقاومة، ترك شمال القطاع وتوغل في الجنوب في محاولة لإنجاز المهمة بسرعة، الأمر الذي زاد من أعبائه لطول جبهة القتال، ولقربه من إعلان الفشل في مهمته، فعدد قتلاه وصل إلى 408 قتيلا بالإضافة إلى آلاف الإصابات في صفوف جنوده، والأمر معرض للزيادة بصورة كبيرة في جنوب غزة، بالإضافة إلى انهيار روح الجنود المعنوية.
باختصار.. إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية لأهالي غزة على مدار 60 يوما، وصلت إلى جنوب القطاع وفشلت رغم ما تملكه من ترسانة أسلحة ودعم الحلفاء في الوصول إلى الرهائن والإمساك بقادة حماس، وخصوصا محمد الضيف والسنوار.
الأمر الذي يعني عسكريا أنه رغم الدمار الذي ألحقه بغزة، إلا أن الحرب لم تحقق أهدافها وستخرج إسرائيل منها مهزومة ومحملة بخسائر اقتصادية تتعدى المليارات.
تبقى كلمة.. إذا فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المزعومة، التي ملأ الدنيا صراخا من أجلها، فهل يجر أذيال الخيبة ويعود إلى ثكناته ليواجه ضغوط الجبهة الداخلية وأسر الرهائن؟ أم أنه سوف يتعامل مثل المجنون فاقد الأهلية ويفتح بؤر جديدة للصراع ليكتسب وقتا ويهرب من ضغوط المواطنين الإسرائيليين؟
الثور الهائج يحتاج العقل في المواجهة، لكنه غدار يهاجم النقاط الثابتة والمتحركة وليس له عهد ولا أمان فاحذروه.
