تخيلوا 32 مليار دولار هدية سخية من الاحتلال الإسرائيلي للدولة التي تقبل 2 مليون مواطن فلسطيني للعيش على أراضيها.. العرض المغري الذي يثير لعاب العديد من الدول، يفك أزمتها بل ويجعلها ماردا اقتصاديا في محيطها الإقليمي.
المال مقابل الرحيل، مشروع مطروح أمام الكنيست الإسرائيلي لترحيل أبناء غزة عبر تمويل مالي ضخم تقدم به موشيه بسال، عضو الكنيست عن حزب الليكود، والاقتراح يناقش الآن ويتمثل في أن أي مواطن غزاوي يريد الرحيل الطوعي سوف يتقاضى 6 آلاف دولار في يده، وأن الدولة التي تستقبله سوف تأخذ عن كل مواطن فلسطيني يدخل إليها 10 آلاف دولار.
بحسبة بسيطة، فإن الدولة التي تقرر استقبال 2 مليون مواطن غزاوي سوف تتقاضى 20 مليار دولار عدا ونقدا، بخلاف أن المواطنين القادمين إليها يحملون معهم 12 مليار دولار سينفقونها في البلد المضيف، ما يعني أن إجمالي العرض يبلغ 32 مليار دولار – في عين الحسود – تستطيع أن تغير مصير دول وليس دولة واحدة.
إذا كان العرض المغري فرصة لخروج دول كثيرة من أزمتها وربما بادر البعض بطرح بلاده أرضا بديلة.. إلا أن مصر الوحيدة الثابتة على موقفها ولن يتغير أبدا وستظل رؤيتها واضحة، أنه لا بديل لإنهاء الصراع ووقف الحرب إلا بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتؤكد مصر على موقفها في كل المحافل الدولية وتقف حائط صد منيع أمام عمليات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وشدد سامح شكري وزير الخارجية في واشنطن مؤخرا على هذا المعنى مؤكدا أنه لا ترحيل من غزة لمصر أبدا وتحت أي ظرف من الظروف، وأن مصر ترفض مشاركة أي قوات مصرية أو عربية داخل غزة مادامت غزة تحت الاحتلال.
وبنظرة سريعة إلى ما يحدث في غزة الآن، نجد الاحتلال يدفع المواطنين الغزاويين دفعا إلى التجمع في رفح الفلسطينية على الحدود المصرية، فرارا من عمليات الإبادة الجماعية وبحثا عن مكان آمن للاحتماء به على الرغم من أن النازحين يفترشون الخيام في العراء، ويترقبون الموت في أي لحظة ومن أي اتجاه، إلا أن هذا الوضع السيء أهون بكثير من أهوال الموت التي يشهدونها في قلب غزة.
مدينة رفح الفلسطينية عدد سكانها حوالي 300 ألف مواطن، ونزح إليها حاليا 470 ألف غزاوي، ومن المتوقع أن يفر إليها نصف مليون آخرين على الأقل خلال الأيام المقبلة.
المتحدث باسم الأونروا في غزة حذر من خطورة الأوضاع المعيشية والصحية وانتشار الأوبئة وتفشي الأمراض بسبب عدم توفر الطعام وتلوث مياه الشرب.
باختصار.. أمريكا وإسرائيلي مصران على مسألة التهجير بأي صورة لتصفية القضية الفلسطينية بلا رجعة، فمنذ أيام ناقش الكونجرس الأمريكي اقتراح بتوزيع أهالي غزة على أربع دول على أن تستقبل مصر مليون نسمة، وتركيا نصف مليون واليمن 250 ألفا، والعراق 250 ألفا، ورفض الاقتراح، والآن يظهر اقتراح جديد داخل الكنيست الإسرائيلي يستخدم صاحبه سلاح المال وقوته في محاولة للتأثير على الفارين من الإبادة والمجازر والمحارق على أمل أن يكون طوق نجاة بالنسبة لهم ولمن تبقى من أسرهم.
تبقى كلمة.. مصر التي خاضت العديد من الحروب مع الاحتلال وفقدت خيرة شبابها على مدار أكثر من 7 عقود، لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني وقضيته الجوهرية، ولن تفرط في تراب أرضها، ولن ترضى بديلا عن الدولة الفلسطينية المستقلة.
مصر الدولة الوحيدة في المنطقة، بل في العالم التي تحملت ما لا يتحمله غيرها، وفتحت أرضها للأشقاء من سوريا وليبيا والسودان واليمن والعراق، أكثر من 9 ملايين أهلا وإخوة وأعطت لهم كافة حقوق المواطنين المصريين وأعفتهم من العديد من الرسوم، وسمحت لهم بالعمل والكسب والتجارة والتملك، ولم تقيم لهم مخيمات بل أخوة وأهل بيت معززين مكرمين.
لكن لموقفها الثابت من الأشقاء الفلسطينيين ولإيمانها القوي بقضيتهم، لم تتراجع عن موقفها أو تغير رأيها حتى لو وضعوا بين يديها خزائن سليمان.. دامت مصر عز العروبة، ودامت فلسطين عربية أبد الآبدين.