ويلٌ للظالمين.. صدقَ القائلُ حينما قال: “لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا.. فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ / تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ.. تدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ”، فالظلم والجور والقهر وبخس الحقوق والمماطلة فيها والتعدي عليها، صفات ماحقة، وأخلاق مهلكة، تستمطر الغضب، وتتلف الأعصاب، وتمزق المجتمع، وتخل بالأمن، وتحبب الانتقام، وتنافي الإنسانية بكل معانيها الفُضلى.
ألم يعلم المُفتري أن الله تعالى يخذل الظالم ولو كان مسلما، وينصر المظلوم ولو كان كافراً، والظلم مهما طال أمده واسودت لياليه وطالت أذرعه واشتد فساده وانتشر، ويضرع المظلوم إلى ربه، فإن الله تعالى لابد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى أنه يمهل ولا يُهمل، لذا فعبر التاريخ كانت نهاية الظالمين عِبرة أليمة.
على الباغي تدور الدوائر لا شك في ذلك أبدا، فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير، والمتأمل في سير الظالمين في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ولا يبالي الله في أي واد يهلكون ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره.
أشد أنواع الظلم تسلط هؤلاء الظلمة على رعيتهم كما تسلط فرعون على قومه، واليوم كثيرون هم من يظلمون ويتسلطون ويستبدون سيراً على سيرة سلفهم فرعون الطاغية الذي قال: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى كما جاء في قوله تعالى بسورة (غافر26)، أشكال البغي والافتراء متعددة الألوان، ما بين سفك الدماء وقتل للأطفال والنساء وذل للشيوخ والضعفاء وأكل الحقوق سحتا في بطونهم وما أكثرهم، تجويع وإهانة وإذلال، استيلاء على الأموال، استعباد كامل، وهذا غاية الجبروت والعدوان والقسوة، ولذلك قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( القصص).
لقد امتلأ عالمنا بالظالمين، وفي قصصهم عبرة وعظة، فهذا التاريخ يذكر بغي قارون على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما ظن، والذكاء والعلم الذي عنده، وكانت النتيجة أن خسف الله به وبداره الأرض.
والآن، أصبحنا نرى ونسمع ونقرأ كثيرا عن صنوف القهر، وألواناً من مشاهد البخس والمطل والقسوة، ليس فقط في جور الأعظاء وظلمهم، ولكن أيضا من قبل أرباب العمل والعمال، وجميعها قصص تستثير المشاعر، وتهز الوجدان، وتلهب الضمائر، إلا أن أمر الله صادر لا محالة، لتطيب قلوب التهبت بنيران الظلم والظالمين.
والصحف مليئة بالطبع بقصص الانتحار إما شنقا وإما بإلقاء الأنفس من عمائر شامخة، بسبب البخس والقهر وسوء التعامل من أرباب العمل، لكن جاء الدين الإسلامي كدين عدل وفضل، يكسر أغلال العبودية والذل، فمتى استعبد الظالمون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار، جاء ليقول للمكتبرين الظالمين إن من اقتطع شيئا من مال أخيه بغير حق فإنما أكل نارا، وجهنم أولى به، جاء ليقول {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود:81).
إن غياب الإيمان، وانحطاط الإنسانية، وهمجية السلوك، كانت ومازالت هي إحدى أسباب الظلم وهضم الحقوق، وغياب الوفاء بالوعود، ونقض العهود، والمماطلة في الحقوق والمستحقات، وتلف الأعصاب، فويل للظالمين من عذاب شديد!.. متى استعبدتم الناس؟ وبأي حق؟.