سجن صيدنايا.. ليس مجرد سجن عادي، لكن بمجرد ذكر اسمه ينخلع القلب من بين الضلوع، وتمتلئ العيون ببحور من القلق والتوتر، وينتاب القلب مشارع الألم، فجميع الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير الصحف العالمية، تكشف عما يدور داخل هذا السجن وكيف تحول لـ مسلخة بشرية.
في هذه السطور، يُقدم موقع الصورة الحقيقية حكايات وأسرار وتفاصيل عن سجن صيدنايا السوري.
حكاية سجن صيدنايا
في عام 1987، وعلى أطراف مدينة دمشق تحديدًا على بُعد حوالي 30 كيلومترًا شمالي العاصمة السورية، يقود باب، خلفه يقع مجمع ضخم تحت الأرض بعمق خمسة طوابق، إلى مكان لا تنتهي مآسيه، حيث تندمج القسوة مع أصوات الصراخ والألم في أقبية سجن صيدنايا، أكثر السجون سرية وقسوة.
أُطلق عليه “مسلخ البشر”. حيث تتنازع الأرواح في هذا المجمع المظلم من أجل البقاء، تجمعت قصص تعذيب وآمال أسر تعيش على أنقاض فقدان أحبائها.
داخل سجن صيدنايا، وبين أقبية مظلمة وزنازين ضيقة ملأتها البطانيات والملابس المتروكة، هناك الكثير من هذه الزنازين تحولت إلى حفر مكتظة بالبشر، حيث كان السجناء يعانون من نقص الهواء والغذاء.
وفقًا لشهادات حقوقية، احتُجز السجناء في ظروف لا تُطاق، حيث تُرك أكثر من عشرة أشخاص في مساحة لا تزيد على بضعة أمتار.
التقارير الصحفية والحقوقية الدولية، تُشير إلى أن أصوات المعذبين كانت تصدح في الممرات، شاهدة على الفظائع التي وقعت في هذا المكان. وفي أحد الزوايا، عُثر على خريطة للسجن، غير واضحة المعالم، لكنها أشعلت بارقة أمل للحشود في العثور على السجناء المختبئين في الطوابق السفلية، وفقاً لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
ويُقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن حوالي 30 ألف معتقل لقوا حتفهم في سجن صيدنايا تحت التعذيب، سوء المعاملة، والإعدام الجماعي منذ اندلاع الثورة السورية، بينما قدرت منظمة العفو الدولية في شهر فبراير عام 2017 أنه بين 5,000 و13,000 شخص في سجن صيدنايا قد تم إعدامهم دون اللجوء للقضاء بين شهري سبتمبر 2011 وديسمبر 2015.
تحرير السجناء من سجن صيدنايا
بدأت الحكاية مع سيطرة مسلحي المعارضة على السجن أمس، حين بدأ أهالي دمشق بالتدفق إلى المجمع، يتملكهم الأمل في العثور على أقاربهم المفقودين. انتشرت شائعات عن 1500 سجين محاصر في الأقبية، ما دفع الناس لترك سياراتهم والسير على الأقدام، حاملين مشاعل هواتفهم لتضيء طريقهم المظلم.
على بوابات السجن، اندفع الحشد غير آبه بتحذيرات المسلحين الذين أطلقوا النار في الهواء لإبعادهم. دخل الناس إلى ممرات السجن المتشابكة، يبحثون بين الزنازين عن أي دليل قد يقودهم إلى أحبائهم. كان الهدف الأكبر هو الوصول إلى “الجناح الأحمر”، المكان الذي يُعتقد أنه يضم السجناء الأكثر تضررًا، والذين يعانون من الجوع والاختناق.
بوصف أحد الباحثين عن أفراد العائلة بين جدران السجن، فإنه صيدنايا هو “مكان بلا نهاية”، والناجون الذين خرجوا منه بدوا كالهياكل العظمية، ما يعكس حجم المعاناة التي عاشها أولئك المحاصرون تحت الأرض، تاركين خلفه قصص وحكايات ورايات على جدران الزنازين، ورسائل محفورة بخط اليد. إحداها تقول: “كفى، خذني فقط”، بينما تضمنت أخرى تفاصيل وفاة سجين خلال نوبة صرع. كل رسالة كانت تحمل جزءًا من معاناة إنسانية تفوق الوصف.
المحتجزون تائهون في عالمهم الجديد بعد خروجهم
لم تمر سوى ساعات قليلة على سقوط نظام بشار الأسد فجر الأحد، إلى أن تحول سجن صيدنايا العسكري، أو كما يُلقب بـ “السلخانة البشرية”؛ نظرا لما يحدث بداخله من انتهاكات وعمليات تعذيب بحق المعتقلين، إلى مركز للأنظار.
سابق السوريون الزمن لفك شفرة الأبواب الإلكترونية التي ما زالت مغلقة، رغم فتح بواباته الخارجية على يد الثوار.
فك شفرات سجن صيدنايا السوري
يصفه البعض بأنه “ثقب أسود”، يسعى الجميع لفهم أسراره، حيث تجمع ما يقرب من 10 آلاف شخص داخل السجن للبحث عن ذويهم، وفق تصريحات مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” دياب سرية، لموقع “الحرة” الأمريكي.
وفي إطار الجهود المبذولة، أعلن رجال أعمال وثوار عن مكافآت مالية ضخمة، وصلت إحداها إلى 100 ألف دولار، لمن يستطيع فك شفرة الأبواب أو المساهمة في فتح زنازين السجن بالكامل.
وبدأ الآلاف يتوافدون نحو سجن صيدنايا في سوريا بحثا عن ذويهم المعتقلين في سجون الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن أنصار الجولاني تمكنوا من السيطرة على السجن وإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين من الطوابق العلوية، لكن الطوابق السفلية الثلاثة، المعروفة باسم السجن الأحمر، والسجن الأبيض، والسجن الأصفر، لا تزال تحت الأرض ومعزولة عن الخارج، فيما يواجه المعتقلون فيها ظروفا مأساوية.
مشاهد صادمة منسوبة لـ سجن صيدنايا
كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة من التوحش! يا الله.. مشاهد نحاول أن نشيح أعيننا عنها لنتحاشى رؤيتها، مناظر لا تصدق، عذاب دون مبرر سوى أن لا وحش إلا الإنسان. #سجن_صيدنايا #سوريا_الان pic.twitter.com/yNXS2zd3fz
— شيخة الجاسم (@ShaikhaBinjasim) December 9, 2024