وزير الصحة “غير سياسي” ولا يدرك أن المصريين خط الدفاع الأول عن الدولة في ظل التحديات الدولية الراهنة
تقديم الخدمات الأساسية بشكل عادل وكريم واجب الدولة الأول
======
“يا أخي قول متشكرين الأول على المبنى الجميل والأجهزة الجديدة.. اشكر وبعدين اشتكي!”.. بهذه الكلمات رد الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة ونائب رئيس مجلس الوزراء على أحد المواطنين المرضى بوحدة الغسيل الكلوي الجديدة في مستشفى العدوة بمحافظة المنيا، حيث كان يستمع إلى شكواهم أثناء زيارته التفقدية هناك، معربًا عن استيائه من شكوى المريض من طول فترة الانتظار للحصول على جلسات الغسيل، وسوء معاملة أفراد الأمن، قائلاً: “نريد معاملة أفضل، لا نريد أن نعامل كطلاب في المرحلة الابتدائية”.
الوزير “خالد عبد الغفار” على المريض، موضحًا أن المركز الجديد يعمل وفق نظام محدد، وأن التأخير غير مقصود، والهدف من هذا النظام هو الحفاظ على صحة المرضى. ثم تساءل الوزير عن سبب تركيز البعض على الشكاوى فقط، وعدم تقديرهم للجهود التي تبذلها الدولة لتوفير خدمات جديدة ومجانية لهم، قائلًا: “لم أسمع حتى الآن كلمة شكر واحدة على هذا المكان الذي أنشأته الدولة، إذا كان أحد أفراد أسرتك يشتكي منك باستمرار، ألا تتمنى أن تسمع منه كلمة شكر أولاً؟”، ليستجيب المريض لطلب الوزير، وشكر الدولة على الخدمات المقدمة، ليرد الوزير: “أنتم من الصعيد، والصعيدي لا ينسى الأصول، وهذا حقكم وليس فضلًا”، مؤكدًا أن محافظة المنيا تشهد حاليًا تطورات غير مسبوقة في القطاع الصحي.
هذه القصة التي ضج بها الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، أثارت حالة كبيرة من الجدل، بعدما أعبر الكثيرون عن استيائهم من ردة فعل وزير الصحة عن شكوى المواطن المصري، مشددين على أن الشكوى حق لكل مواطن، وعلى الوزير أن يستمع لشكواه ويتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجتها وإصلاحها على الفور، باعتباه واجب عليه وحق أصيل لكل مواطن، فهي ليست منحة ولا منة منه، مما دفع البعض للمطالبة برحيل الوزير وإقالته من منصبه، بعد حديثه الذي وصفوه بـ “المستفز والصادم”، قائلين: “الوزير يفتقد اللياقة والكياسة، مُحزن، ومؤسف أن يكون هذا هو منطق الوزير، وطريقة تفكيره.. أقيلوا هذا الوزير”.
ويرى كثيرون أن الحادثة كانت كاشفة عن ضرورة تدريب المسؤولين على فن التعامل مع الناس، وإفشاء روح المسؤولية في إطار من الواجب الوطني والمحبة وتعزيز الثقة والترابط بين المواطن والمسؤول بما يراعي مصالح الوطن والمواطنين، مؤكدين أن الدولة تبني المستشفيات لخدمة المواطنين وعلى حسابهم، فالمواطن هو السيد وكل مسؤول واجبه خدمته وتوفير سبل الراحة له.
ولم تكن واقعة المواطن المريض الوحيدة خلال زيارة الوزير للمنيا، بل كانت الواقعة الأخرى التي أثارت غضب أطقم التمريض، فأثناء حديثه لمدير المستشفى الذي أكد له أن أصبح هناك 25 ماكينة غسيل كلوي، رد وزير الصحة قائلًا: يبقى فيه 25 بت “بنت” موجودة في القسم، وتتغير في الشيفت اللي بعده بـ 25 بت تانيين، كل ماكينة قصادها نيرس.
وعلّق عدد من الممرضين والممرضات معربين عن استيائهم الشديد من وصف الوزير للممرضات بـ “بت”، قائلين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي: “سيادة الوزير.. الممرضة بكالوريوس التمريض أو المعرضة فني التمريض.. سيادة الوزير نحن أبناءك وبناتك إن لم تلق منك احتراماً وتقديراً فلا ترجوه من غيركم”.
النائب علاء عصام عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، يقول إنه لا يليق بنا أن يقول مسؤول كبير للمواطنين: “اشكرونا الأول.. أحرجتكم أنا كدا!”، واصفًا ما حدث بـ “القمع” لمواطن يعبر عن مشكلته بأدب واحترام، مشيرًا إلى أن المنظومة الصحية في مصر “منهارة” وتعبر عن فشل حكومي لا مثيل له في أي دولة تحترم مواطنيها.
ويضيف النائب علاء عصام، أن وزير الصحة “غير سياسي” وغير مدرك أن المصريين هم خط الدفاع الأول عن مصر في ظل الضغوط والتحديات الدولية، قائلًا: “يا دكتور عبد الغفار نحن أصحاب الأرض الذين يحق لهم أن يشكوا ويُستمع لشكواهم بحرص، وتعمل على حل مشكلاتنا الحقيقية دون غرور وشعور بالذات المزيف”.
حزب الوعي علّق أيضًا على الواقعة، مؤكدًا أهمية تطوير المنظومة الصحية، رافضًا المنطق الذي تضمّنه تصريح وزير الصحة، ويعتبره غير موفق لا مضمونًا ولا توقيتًا، قائلًا في بيانه: إن واجب الدولة الأول هو تقديم الخدمات العامة الأساسية – وعلى رأسها الصحة والتعليم – بشكل عادل وكريم لكل المواطنين، وليس انتظار الشكر على أدائها لهذه المهام. فالدولة تنفق على هذه الخدمات من أموال المواطنين أنفسهم، التي تُجمع في صورة ضرائب ورسوم، وهي بذلك لا تمنّ على المواطن، بل تُعيد له جزءًا من حقه.
وأشار حزب الوعي إلى أن هذه الموارد تُستخدم أيضًا في دفع رواتب العاملين في الجهاز الإداري، ومنهم الوزراء أنفسهم، مقابل تقديم خدمة عامة تليق بالمواطن المصري. وبالتالي فإن وجود مستشفى في محافظة من محافظات مصر هو حق مشروع وليس منّة، ومن الأولى أن يُسأل: لماذا لم تُنشأ مستشفيات مماثلة في محافظات أخرى؟.
وأضاف أن منطق “الشكر” الذي تضمّنه التصريح، يتجاهل جوهر العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، ويتعارض مع ما أقرّه الدستور المصري والمواثيق الدولية من أن الصحة والتعليم حقوق أساسية لا فضل لأحد فيها على الناس، مردفًا: “لعل ما صدر من الوزير كان زلة لسان، لكننا نؤمن بأن زلة اللسان في مناصب المسؤولية لا تمر بهدوء، خاصة حين تمس كرامة الناس أو تُشير إلى تراجع في فهم وظيفة الدولة”.