اعتمد دونالد ترامب في سياسته منذ أن تولي الرئاسة الأمريكية في الفترة الرئاسية الاولي علي نهج وأسلوب كسر القواعد، وإعادة تعريف مفاهيم التفاوض والقيادة على المسرح العالمي .. حيث لم يأتِ بأسلوب هادئ ولا خطاب تصالحي ، بل جاء وهو يحمل معه أدوات الصدمة ، ويصنع الجدل من كل تصريح وتغريدة .. ولا تعد تلك الاستراتيجية مجرد فوضى عشوائية كما يظن البعض.
بل هي أسلوب تفاوضي متعمد، يقوم على الضغط والتخويف ورفع سقف المطالب وهو يندرج تحت نظريتين :-
أولا : “نظرية الجنون”
(Madman Theory)
وهو أسلوب يعتمد علي ” التهديد بحساب ” – وهو ليس وليد إدارة ترامب .. بل يعود إلى عهد الرئيس / ريتشارد نيكسون – وكانت الفكرة أن يبدو القائد غير متّزن بما يكفي ليخشى الخصوم عواقب أفعاله ليدفعهم ذلك إلى قبول بعض التنازلات لتفادي الأسوأ .. وقد أعاد الرئيس /ترامب إحياء هذا المفهوم بطريقته الخاصة مستخدما ً لغة ً حادة ، وقرارات مفاجئة ، وتصعيدات غير متوقعة بدءا ً من تهديده بالخروج من حلف الناتو إلى انسحابه من اتفاقيات دولية ، وإلى فرضه عقوبات مفاجئة ، وكلها أدوات استخدمها لخلق انطباع بأنه لا يمكن التنبؤ بما يقوم به ، وأنه مستعد للذهاب إلى أقصى حد ممكن تخيله .
ثانيا : الصدمة والترويع
– ومن أكبر أمثلتها ما اتبعه مع الصين ؛ حيث استلهم ترامب هذا الأسلوب من الاستراتيچيات العسكرية والذي يُطلق عليه
” الهجوم المباغت ” (Shock and Awe ) .. وهو أسلوب يُتَّبع لإرباك الخصم وفرض الهيمنة السريعة .. وهذا ما استخدمه ترامب بتطبيقه “مدنيا ً” في مجال السياسة والاقتصاد ، ولعل أبرز مثال على ذلك كان في مواجهته التجارية مع الصين في عام 2018 ، حين صدم ترامب العالم بفرض رسوم جمركية ضخمة على واردات صينية تتجاوز 250 مليار دولار ، بحجة حماية الاقتصاد الأمريكي .. تلك الخطوة التي فاجأت الصين ، وخلقت توترا ً عالميا ً في الأسواق ، لكن دفعتها أيضاً للدخول في مفاوضات مكثفة أدت إلى توقيع “ المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري ” في مطلع 2020. ورغم أن هذا الاتفاق لم يحسم كل الخلافات .. إلا أن ترامب أثبت من خلال تلك الخطوة أن التصعيد قد يؤدي إلى تنازلات من قوى عظمى مثل الصين.
– [نجح ترامب بالفعل في توظيف هذه الاستراتيجيات في ملفات معينة ] ، لا سيما على المدى القصير .. حيث استطاع فرض شروط أمريكية أقوى ، وجعل الولايات المتحدة تتحدث من موقع ومكانه أعلى .. لكن في المقابل ؛؛ خلق هذا النهج حالة من التوتر وعدم الاستقرار وأضعف ثقة الحلفاء ( خاصة الأوربيون ) .. من جهة التزام واشنطن ، وزاد من الانقسام الداخلي.
– وعموما ً بالتقييم الواقعي .. نجد أن هذا الأسلوب لا يصلح للتفاوض مع الجميع .. وليس مناسبا ً أيضا ً لكل زمان أو مكان فقد ينجح مع خصوم يخشون المفاجآت .. لكنه قد يفشل مع شركاء يبحثون عن الثقة والاستقرار ، فهو نهج يقوم على الرهبة أكثر من الاحترام ، وعلى التهديد أكثر من التفاهم .
– ولكن أرى من وجهة نظري الشخصية أنه أسلوب يتماشي مع القدرة والقوة الأمريكية ” الأقوي في العالم ” .. ومن الممكن أن يحقق مكاسب أعلي من احتمالات الخسارة . وأخيرًا السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو :
– هل العالم يحتاج اليوم إلى زعماء يصنعون الصدمة ؟
– أم إلى قادة يصنعون الثقة ؟