تتميز مصر بأنها وطن فريد في كل شيء، وطن له طابع خاص، وحياة سياسية ونظام سياسي مختلف، أبناؤه معجونون بالتطلع والحديث في كل الأمور، سياسية واجتماعية واقتصادية، حالة خاصة وأجواء مليئة بالصخب، هذا ليس لأنهم يحبون المكلمة أو ما تطلق عليه لغة الجيل الحالي بـ الهبد، بل لأنه شعب يرى في نفسه شريكا في هذا الوطن، شريكا في كل شيء سواء كان نظام أو طريقة أو حتى مشروعا.
هذه المقدمة التي لا تليق بمصر وشعبها، لأنهم يستحقون أفضل من هذا بكثير، شعب يمتلك التاريخ وصنع الحضارة وأبهر العالم ومازال يبهره، دبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا، فيزيائيا وطبيا ورياضيا، في كل شيء صراحة…. هي مجرد فاتحة لباب مهم في موسم تتعالى فيه أصوات الاضطرابات بسبب حلول الانتخابات البرلمانية، وما يشهده الشارع المصري من حراك يحتاج لمزيد من الضبط حتى نحفظ لمصر هيبتها وكرامتها.
(١)
الحياة السياسة في مصر..
تقوم الحياة السياسية في مصر حسبما ينص الدستور في مادته الرابعة:
السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم علي مبادىء المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور.
وفي المادة الخامسة:
يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور.
وهنا يقصد الدستور الحياة السياسية السليمة والنظام الصحي الذي يدفع بالبلاد إلى مسار التقدم والازدهار متسلحا بقوة التعاون والاتحاد الكامنة في التعددية والاختلاف وتنوع الأفكار والتوجهات والأيدلوجيات، والقائمة على احترام الحقوق والحريات.
لا أتصور أن أحدا ينكر الاستفادة من اختلاف وجهات النظر التي تقود إلى أفضل الآراء والمقترحات، فإذا كان هناك بالمجتمع ديمقراطية صحيحة ينفذها أشخاص أصحاء عاقلين متجردين من مصالح وأهواء يملكون أدواتها، فإنها تسلك طريقاً ومستقبلاً وأسلوب حياة مثالية، ترسخ للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية كحق لكل مواطن، وللأجيال المتعاقبة.
(٢)
بداية الحياة النيابية المصرية
بعد مبايعة محمد على حاكماً على مصر على أساس أن “الأمة هى مصدر السلطات”.. وبدأ محمد علي ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة، بما فيها إقامة مجلس نيابي تمثيلي حديث، ليتكون المجلس العالي عام 1824، الذي يعد البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة، حيث تكون من 24 عضواً فى البداية، ثم صار عددهم 48 عضواً بعد إضافة 24 شيخاً وعالماً إليه. وبذلك أصبح يتألف من نظار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوي المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان عن كل مديرية من مديريات القطر المصرى ينتخبهما الأهالى.
وفي عام 1866 تطورت الحياة النيابية فى مصر بإنشاء “مجلس شورى النواب” فى عهد الخديوى إسماعيل، الذي يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشارى تغلب عليه الصفة الإدارية.
(٣)
تطور الأحزاب ودورها
بدأت الحياة الحزبية في مصر عام 1907، والذي أطلق عليه عام الأحزاب، فانطلق حزب الأمة والحزب الوطني وحزب الإصلاح والحزب الوطني الحر والحزب الجمهوري، ثم كان تأسيس حزب الوفد عقب وضع دستور 1923 الذي شكل إطاراً دستورياً وقانونياً للحياة السياسية فى هذه المرحلة بشكل عام، وللحياة الحزبية والنيابية بشكل خاص حيث ساد البلاد مناخ ليبرالى اتسم باحترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية، وفى مقدمتها حرية التعبير، وتكوين الأحزاب والجمعيات.
وبدأت الأحزاب في مصر تتزايد وتتباين من حيث التوجهات والأهداف وتشعب انتماءاتها، خاصة بعد أحداث ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وظهرت تصنيفات عديدة منها: (الأحزاب الليبرالية – الأحزاب الاشتراكية – أحزاب الموالاة – الأحزاب الدينية).
توحدت الصفوف أحيانا أو ربما غالبا في الـ 10 سنوات الأخيرة، ووسط هذا التكاتف والتوحد اختلط الحابل بالنابل، وغابت المعارضة عن قصد أو دونه، برضا أو غيره، وضمت الأحزاب بين أروقتها من هم لا ينتمون لأيدولوجياتها، وأصبح الغلبة لمن يملكون المال دون فكر أو منهج أو روح انتماء، وتجردت الأحزاب من أهدافها، حتى أبرز وأهم ما يميز تلك الأحزاب وهي السعي نحو السلطة وحتى وإن كان ليس رأس الهرم، أو حتى بتقديم مقترحات أو أفكار أو مشروعات داعمة للدولة.
لا أخفيكم سرا، أنه حتى الموجودين على قائمة قيادات الأحزاب لا يعرفون ما هو تاريخ حزبهم، متى وأين نشأ؟، وعلى يد من؟، وما الأهداف التي يقوم عليها، وعجت وسائل الإعلام بأخبار وبيانات مجردة من أي فكر سياسي أو اقتصادي أو أيدولوجي، وحتى التريند الكبير للأحزاب لا يفصح إلا عن جرائم وفضائح أعضاء هذه الأحزاب وممثليها في البرلمان أحيانا، مما يسئ للدولة في وقت صعب، وقت تغمره التحديات والصعاب والأزمات، وقت تقف فيه القيادة السياسية بحاجة إلى درع قوي وظهر صلب تتكئ وتستند عليه بدلا من أن يكون سوسا ينخر في جسد الوطن أمام عالم يتربص بنا.
(٤)
سر البحث عن كرسي الأحزاب في البرلمان
لا أتصور أبدا أن أحدا قد يختلف معي حول غموض مستقبل الأحزاب والحياة السياسية في مصر، ولما لا؟، فمصر تمتلك نحو أكثر من 107 حزب تقريبا، ربنا لا تتذكر أطرافك وأناملك إلا قليل منهم، وحتى ما تذكره منهم ربما لا يكون ذا جدوى، وآخر غارق في صراعاته وحروبه الداخلية التي تجاوزت حد الاختلاف والخلاف ووصلت إلى التشهير والتنكيل واستعراض القوة في التخلص من الآخر، المهم أن يزيح الشخص غريمه حتى يضمن فرصته، ولا يضمنها أيضا.
صراعات هنا وهناك، تزداد مع كل موسم انتخابات برلمانية، الجميع يريد أن يصبح نائبا تحت القبة، هو حق مشروع ومكفول للجميع حسبما ينص الدستور والقانون لا غبار في ذلك، لكن حق لمن؟، هل من لا يملك فكرا لا أقول من لا يملك العقل فالجميع لديه عقل مؤكدا، لكن ليس الجميع يحمل فكرا، يحمل وجهة نظر، هل يعقل أن حزبا يبيع مقاعده البرلمانية لأصحاب المال فقط دون معايير، لست ضد جمع المال بالتأكيد، فالأحزاب في مصر بكثرتها هذه تقوم على جمع التبرعات، لكن ليس كل من هب ودب يا سيدي الفاضل يشري مقعده، هل يليق بالأحزاب التاريخية وغيرها في مصر ألا تملك برلمانيين حقيقيين يعبرون عنها داخل البرلمان وعن سياساتها وأيدولوجياتها؟.. هل يليق بمصر أن يكن لها نوابا لا يعرفون أدواتهم الرقابية وأدوارهم التشريعية ومهمتهم تجاه وطنهم؟.
مصر يا سادة في موقف حرج تحتاج لنواب حقيقيين، أحزاب حقيقية قادرة على أن تكون مفرخة للحياة النيابية والسياسية لوطن عريق.
ولأنه غاب التفريخ عن الأحزاب السياسية، فغاب في جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي ليتشارك فيه جميع الفئات والأطياف والأحزاب والقوى السياسية، ليشاركوا القيادة السياسية ومؤسسات الدولة في صناعة القرار، غاب ممثلو الأحزاب، فلم نرى أحزابا قدمت مشروعا حقيقيا يدعم الدولة وجهودها لحماية أمن وحياة المواطن المصري، اللهم إلا قليل القليل منهم.
وفي النداء الأخير.. يا سادة، يا قادة الأحزاب، أنتم اليوم في اختبار سياسي هام وجديد، وأمامكم فرصة أخيرة لتقفوا إلى جانب هذا الوطن وأبنائه، قدموا نوابا وليس مصلحجية، جملوا صوركم، لا تتناحروا، لا تسيئوا لمصر بأشخاص لديهم خلفية انتكاسية، لا تعطوا الفرصة للمتربصين التنكيل بمصر وصورتها أمام العالم في وقت حرج للغاية تسعى فيه الدولة لحماية أمنها القومي وتعزيز قوتها ومواقفها الدولية… كونوا على قدر أهمية هذا الحدث وقيمة هذا الوطن.
تمعنوا في اختيار نوابكم وممثليكم، أهّلوا أعضاءكم، اصنعوا كوادر سياسي حقيقية، فمصر بحاجة لبرلمان قوي قادر على سن التشريعات ودراسة المعاهدات والاتفاقيات دراسة جيدة حفاظا على حق هذا الوطن وحق أبنائه، لا نواب يبحثون عن حمايتهم مصالحهم واستغلال مناصبهم في سبوبة أو كواجهة اجتماعية.. نواب أقوياء = برلمان قوي = وطن قوي.