أنقاض وطن.. إن من المشين تغاضي العالم عن القضية التي كانت ولازالت محور الصراع بين الفريقين:
الفلسطيني والإسرائيلي،لسنوات دموية طويلة راح ضحيتها الآلاف من الضحايا والأطفال
والأبرياء ــــ تلك القضية التي أُغفلت لسنوات طويلة دونما أن تحظى باهتمام بالغ من جانب العديد من الدول لاسيما العربية منها، وظلت قابعة خلف الكواليس لعقود من الزمن!!
إنها قضية ليست بمعقدة أو مُشْكِلة أو حتى عصية على الحل والمعالجة، حسبما يصفها المغيبون وأعداء الإسلام والمناصرون للكيان الصهيوني اللعين والمطبعون معه… إلى
آخر تلك الشراذم الضالة التي ما تنفك تراوغ وتتحايل لتصحيف صفحات الحقيقة المُنكرة
لسنوات ــــ الحقيقة القائلة بأن كل الأراضي المحتلة هي أراضٍ فلسطينية لا مراء فيها وأن إسرائيل لم تكن دولة يومًا، وإنما قامت على أنقاض ودماء وصرخات دولة فلسطين التي تحايل اليهود لغزوها والاستيطان بها في ظل الانتداب البريطاني بموجب
وعد بلفور، منضوين تحت لواء الصهيونية، تلك الحركة الدميمة التي دعا لها هرتزل، والتي اشتقت من جبل صهيون ــــ المتاخم للأراضي المقدسة ــــ اسمًا لها؛ لاستقطاب جرذان اليهود، اللاجئين، المعدمين، المحرقين، الفارين من بطش النازية إلى الأراضي المقدسة، لتقام بذلك دولة إسرائيل عام 1948م. لكن بأي وجه حق يحق للمعتدين أن يفرضوا شروطهم قصرًا على أصحاب الأرض الأروميين، بل وتبلغ بهم درجات الوقاحة أقصاها وتُنتزع الرحمة من صدورهم حين يتربصوا بهم الدوائر ويسفكون الدماء ويعيثون في الأرض الفساد ويرتكبون أفظع الجرائم المنافية لكل الشرائع السماوية، ولا يكفيهم كل ذلك بل يروجون للتهجير ويريدون إحداث إبادة جماعية لوطن كامل!!
ولقد كان النازيون على حق حينما أرادوا استئصال شأفة اليهود قاطبين وإقامة المحارق وكل عُدد القتل لهم ومطاردتهم في شتى بقاع الأرض؛ لأجل تخليص العالم من شرورهم التي فطنوا لها من البداية وغفل عنها العالم. إنهم أشد البشر بشاعة ودمامة وشرًا حسبما صورهم زعيم النازية، وليس بمنكرٍ ذلك. لقد نسي هؤلاء اليهود ما حاق
بهم من استبداد بطش النازية ومحاولات دعاتهم إلى التحرر التي لا تألوا جهدًا… نسوا الوقت الذي كانوا مهددين فيه بإبادة جماعية أشد وطأة… نسوا تسولهم إلى العالم حقوق إنسانيتهم… نسوا مأساتهم الدموية لسنوات طوال… نسوا تمثال الحرية الذي يجسد صورة المرأة اليهودية (إمّة أوزوراس) أحد دعاة تحررهم التي ظلت تناضل وتنادي بحقوقهم وحريتهم إلى أن قضت نحبها؛ لذلك اتُخذت هيئتها تجسيدًا لاستقلال الولايات المتحدة… نسوا تنديدهم بمظالم النازية المنافية لحقوق الإنسان ولم
ينسوا تغافلهم عن مظالمهم وجرائمهم البشعة تجاه الفلسطينيين الأبرياء، والآن هم من يكرر تلك المأساة الدموية مجددًا بلا رحمة أو إشفاق! والمؤسف أن عددًا من الدول قد
أخذ بناصر الإسرائيليين؛ ليزيدوا الظلم مظلمة، وعلى رأسهم أميريكا التي تدعي حمايتها لحقوق الإنسان ومحاربتها للإرهاب، في حين أنها الإرهاب ذاته بل هي إرهابي العالم، إنها من يصنع الإرهاب وتزوده بالأسلحة والعتاد من وراء الستار وفي الوقت نفسه تدعي حرصها على إحلال السلام وقمع الإرهاب، إنها من يشعل نيران الحروب بين الدول ثم ما تلبث أن تأتي لإخماد النيران بالوقود فما يزيد النيران إلا اشتعالًا.
ناهيك عن خوفها من الإسلام والمسلمين وتصويرها للإسلام على أنه تطرف وإرهاب تحت
مسمى ظاهرة الإسلامو فوبيا (Islamophobia) ولست وحدي من يقول هذا الكلام فهناك رعيل من الأميريكيين
وعلى رأسهم السياسي واللغوي الشهير تشومسكي الذي اتهم بلاده بصناعتها للإرهاب والتطرف.
إن البطان قد التقى بالحقب في أرض غزة وغدت الأمور فيها على فرط من التعقيد والتبعثر وأهلها يصرخون من نياط القلب، والدول العربية في شتات من أمرها، منها من يناصر الفلسطنيين وعلى رأسهم مصر، ومنها من لا يأبه ولا يبالي، ومنها وآسفاه من طبع مع العدو وصرح بأن قضية فلسطين ليست قضيته!! إنها لحسرة حقًا أن تقف جموع العرب واهنة متذبذبة دون ائتلاف آرائها وتوحد كلمتها واتحاد قواتها وتضافر جيوشها تحت لواء واحد. رحم الله الملك الناصر إذ قال يومًا: “إني لأستحي من الله أن أبتسم والأقصى أسير”. أما اليوم فالعديد من زعماء الدول العربية يطبع مع العدو ويبتسم في وجهه وتتعالى القهقهات والضحكات بصرف النظر عن القضية الفلسطينية وكأنها ليست موجودة من الأساس، وفي الوقت ذاته يريد هؤلاء المطبعون إنقاذ القدس؛ فكيف يكون ذلك وهم يؤازرون العدو بشكل لا مباشر؟ لقد صار حالهم كحال الدبة التي أرادت إنقاذ
صاحبها فأصابت منه مقتلًا!! عار كبير على العرب أن يبقوا حبل الود موصولًا بينهم وبين الكيان الصهيوني خصوصًا في مثل هذه الفترات المأساوية، التي تتعالى فيها صرخات الأمهات والأطفال الفلسطينيين والجرحى وصرعى الأنقاض. أفيقوا يا عرب، أفيقوا… ولا تدعوا عقدكم منفرطًا وكلمتكم متبلبلة… اقتطعوا كل سبل التعامل مع إسرائيل والدول المؤيدة لها في جورها وكل من اتخذ الباطل دغلًا بشأن الفلسطينيين… لا تجعلوا الود موصولًا بينكم وبين من قتل لكم أخًا أبدًا! لقد كان العالم بأسره قديمًا يخشى العرب أشد خشية؛ لاتحادهم واعتصامهم بحبل الله الواحد… توحدوا ولا تفرقوا أبدًا… توحدوا ضد أعداء الإسلام وقتلة الأطفال… لا تبتسموا في وجه من عاث في أرضكم الفساد…!
إن غزة جزء لا يتجزأ من عروبتنا وهويتنا وقضيتها هي قضيتنا نحن العرب وقضية كل
عربي يغار على بلاده. ولا شك أن للباطل جولة ثم يضمحل، وحتمًا سيظهر الله حق المستضعفين المظلومين عاجلًا أو آجلًا؛ فالحق أبلج والباطل لجلج. وإني لأناشد إخواني الفلسطينيين بالصبر والصمود والمقاتلة ما أمكنهم ذلك تحت لواء “تمسك بحردك حتى تدرك حقك”؛ فكم من فئة قليلة غلبة فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
