يراوِدني دائمًا سؤال محيّر: لماذا تُحكم الولايات المتحدة الأمريكية قبضتها على العالم؟..رغم مكانتها كقوة عظمى، إلا أنني أجد صعوبة في تحديد “ميزة إنسانية” واضحة تبرر هذا النفوذ، في الواقع، تبدو واشنطن في كثير من الأحيان وكأنها تسعى فقط إلى توريط الدول في صراعات مدمرة، واستنزاف ثرواتها الطبيعية تحت شعار “الحماية الأمريكية”، دون أن تقدم في المقابل حلولًا جذرية أو مواقف عادلة.
المنظمات الدولية الكبرى، التي يُفترض أن تمثل المجتمع الدولي، لا تبدو سوى أدوات في يد الإدارة الأمريكية، تعمل غالبًا وفق مصالح حلفائها، وتغض الطرف عن خروقات تمارسها دول بعينها، طالما كانت على علاقة وطيدة بواشنطن.
في الشأن الفلسطيني، تتكرر التصريحات الأمريكية حول “الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب”، لكنها غالبًا لا تتجاوز حدود الكلمات. فعلى الأرض، تواصل الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم العسكري اللازم، ما يُسهم بشكل مباشر في استمرار الحرب وتهجير المدنيين، خاصة في غزة، وكان لافتًا تصريح سابق عن قطع التواصل بين الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل، في حين كانت العلاقات بين البلدين في أبهى صورها، لا سيما على الصعيد العسكري.
الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة تمتلك من القوة والنفوذ ما يمكنها — إن أرادت — إنهاء العدوان خلال ساعات. لكنها لا تفعل.
لماذا؟..قد يكون الجواب ببساطة: لأن استمرار الحرب يخدم أطماعًا استراتيجية في المنطقة.
ما يدعو للدهشة أكثر، هو المواقف الرسمية العربية خلال زيارات الرؤساء الأمريكيين للمنطقة، لا سيما إلى دول مثل السعودية، الإمارات، وقطر، وفي كل مرة، تُوقَّع صفقات ضخمة تحت مسمى “الاستثمار” أو “التعاون الدفاعي”، بينما في الواقع يتم تمويل حروب أمريكا نيابة عنها:” فاتورة الحرب في غزة… دفعها العرب، وفاتورة الحرب في أوكرانيا… دفعها العرب، وفاتورة الحرب ضد الحوثيين في اليمن… دفعها العرب”، وكل ذلك يتم تحت لافتة “ضمان الحماية الأمريكية”، فيما يُقتل أبناء غزة ويُهجَّر أهلها، بأسلحة مموَّلة من أموال عربية.
هل يُعقل أن الزعماء العرب لا يدركون أن الأموال التي تُدفع تحت مسمى “الاستثمارات” تُستخدم في تمويل آلة حرب تقتل العرب أنفسهم؟..هل ما زالوا يظنون أن الولايات المتحدة توفر لهم الحماية؟..إن الواقع يثبت أن واشنطن لا تحمي أحدًا، بل تستخدم حلفاءها لتحقيق مصالحها، ولو على حساب أمنهم واستقرارهم.
حتى مع أوكرانيا، الدولة الأوروبية الحليفة، لم تختلف السياسة الأمريكية كثيرًا، ورغم الدعم العسكري السخي في بداية الحرب، انتهى الأمر بـتقسيم فعلي لأوكرانيا:” الولايات المتحدة تستفيد من مواردها الطبيعية ومعادنها النادرة، وروسيا تستولي على الأراضي التي احتلتها.
والنتيجة: تخلّت واشنطن عن حليفتها الأوروبية بعد أن استنزفتها، وهو ما يُعطي إشارات واضحة للدول الأخرى حول طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة.
ما يحدث ليس استثناء، بل هو نمط ثابت في السياسة الأمريكية. لذلك، آن الأوان لإعادة النظر في العلاقة مع واشنطن، سواء فيما يتعلق بالحماية العسكرية أو الاستثمارات الاقتصادية، فمن يتصور أنه في مأمن اليوم، قد يجد نفسه في موقع الضحية غدًا… تمامًا كما حدث مع كثيرين من قبل.