عبر التاريخ، ومرورا بأحداث السابع من أكتوبر 2023، لم تكف مصر عن تحذيراتها من الخطر الإسرائيلي وتداعيات توغلاتها في المنطقة على السلام الإقليمي والدولي، وظلت تنذر بأن الصمت على هذه التوسعات المسلحة تارة أو بالترويض تارة أخرى، هو خطر حتمي جسيم على الجميع.
(١)
منذ الوهلة الأولى تعي مصر جيدا خطر وجود هذا الكيان الغاشم المبتز، وتواجهه بكافة الوسائل والأدوات، أمنيا وسياسيا وحتى ثقافيا، فلولا إدراك الدولة المصرية لمفهوم الوعي وأهميته ما كان لهذا الشعب أن يعي جيدا أطماع إسرائيل وأسباب ودوافع الدعم الصهيوأمريكي لها، والدفاع المستميت عنها، ما كان للشعب أن يحيط مخططات كادت تودي بهذا الوطن إلى الجحيم حتما
فهذه القوة الغاشمة تجاوزت سيطرتها حد الاختراق الأمني والتفوق الاستخباراتي، ووصل بها الحال للتحكم في العالم عن بعد بواسطة التكنولوجيات الحديثة، مستخدمة أنواع جديدة من الحروب كحروب الجيل الرابع والخامس وحتى التاسع، والا ما استطاعت أن تصل لقيادات دولية مهمة وفي مواقع حساسة واغتيالها في عقر دارها…
إن كنت مصريا مطلعا، فقد تبدو لك تلك الكلمات لا تحمل أي جديد، وحقا إنني لا أقول جديدا، لكن هي مرحلة تذكير لي ولك..
(٢)
دعنا الآن ننتقل إلى إدراكنا بحادث مهم ووقائع ومخططات خطيرة..
من منا لا يعلم سبب وجود إسرائيل، تلك التي قال عنها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن “لو لم توجد إسرائيل لوجدناها”، لا يخفى على أحد أن وجود إسرائيل بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم هو وجود عقائدي قائم على التوسع والتمدد وتأسيس دولتهم من النهر إلى النهر، من النيل إلى الفرات، بأي وسيلة وإن كانت حتى على جثث الآخرين.. ذاك لا يهم إطلاقا..
فهل تقدر إسرائيل على ذلك، قطعا وحتما لا وإن امتلكت أقوى المعدات والأسلحة والأجهزة، وحتى وإن امتلكت أقوى الجيوش عالميا، لكنها جبانة إلى الحد الذي يجعل منها نملة تدعسها بقدمك..
لكن هي تعتمد في بقائها وتوسعها وتحقيق مخططاتها على عدة عوامل أهمها “فرق تسد”، فرق بين من يحيل بينها وبين مشروعها التوسعي، مرة بالفتن والذرائع، ومرة بالتطبيع وشراء الولاء إليها بإيهام ضعاف النفوس أنها تحمي وجودهم، وهذا واضح وضوح الشمس للجميع، وتارة أخرى باستخدام السلاح وتصويبه في مقدمة مسيرتها لكي يخلو لها الطريق، وبرعاية غربية أمريكية خالصة، كأنها تستخدمهم درع حماية والحقيقة أنه العكس، وأن أمريكا والغرب هم من يستخدمون إسرائيل بالشكل الأكبر…
(٣)
المطلع على التاريخ القديم والحديث، يعلم جيدا أن الغرب وأمريكا ناقمين على ثروات الشرق والعالم العربي والإفريقي بشكل كامل، عبر الزمان كانت الغرب محتلا من أجل ذهب إفريقيا وأراضيه الخصبة للزراعة، ولآسيا من أجل النفط والمال، وحضارته الثمينة العزيزة، أما هم فبلا شيء، لا حضارة ولا تاريخ ولا مال ولا ثروات، لا يعرفون سوى لغة الدم، ولغة النهب والسرقة.. وكلما دخل مواجهات صريحة ومهما تفوق في البداية تكون الهزيمة نهايته مهما طال الزمان..
مؤخرا، وبدلا من المواجهات الصريحة، أصبح اللجوء للحروب بالوكالة هو السبيل الأمثل بالنسبة لهم، دعم كبير، وتطورات تكنولوجية هائلة، وخطط شيطانية يمكنها القضاء على الأخضر واليابس ليس البشر فقط، وهذا هو سبب مقولة “لو لم تكن هناك إسرائيل لوجدنا”.
تضمنت تلك المخططات، صناعة القوى الموازية من نفس الذقن التي يفتل منها، فصنعت القاعدة وداعش كما دعمت إسرائيل، وسعت للقضاء على أية قوى من شأنها الظهور أو حتى التفكير في النهوض وتعزيز قوتها، على طريقة منصور الحفني في الجزيرة “أنا الحكومة”، أنا القوى العظمى ولا يمكن لأحد أن يكون قويا غيري، ولعلها تهمس في نفسها “لمن الملك اليوم.. لا يمكن أن يكون لأحد غيري”، والعياذ بالله..
هي القوة وهي المتصرف وهي مالكة الثروات عنوة وغصبا، هي كل شيء، والباقي لا يمكن إلا أن يكون عبيدا عندها..
خلقت الذرائع، فدمرت العراق بحجج واهية، واسقطت سوريا بل وامتلكتها، وأنهت اليمن ولبنان، واشترت السعودية والإمارات والكويت، غمرت ليبيا وتونس والسودان وحتى الصومال في الفوضى والاضطراب..
ورغم مساوئ إيران، إلا أن مجرد وجود فكرة دولة غير دول الغرب وأمريكا تسعى مجرد سعي لامتلاك القوة كان الرد ما نشهده اليوم من دمار وخراب، واغتيالات في القلب، وإعلان حرب صريحة وواضحة ولا يهم أن هذه الحرب قد تؤدي إلى دمار شامل وتسريبات نووية، كل هذا لا يهم في سبيل للحفاظ على القوة، وغدا تخرج الرأس الأمريكية تتحدث عن إنقاذ العالم من شبح نووي إيران الذي كاد أن يفتك الجميع، كما حدث مع العراق تماما وبنفس السيناريو تقريبا، وزراعة شرع جديد يقود إيران مثل شرع سوريا تماما..
تتكلف أمريكا أثمانا باهظة تدبرها بطريقة أو بأخرى، لتستخدم أسلحة ثقيلة بصاروخ عملاق اسمه GBU-57/B… يزن نحو 13.6 طن، ومخصص لاختراق الجبال والتحصينات النووية، لا يقدر على حمله غير القاذفة النووية B-2 Spirit الموجودة لدى الجيش الأمريكي، تستهدف بها المفاعلات النووية في إيران كمركز “فوردو Fordo” النووي الإيراني الموجود تحت الأرض على عمق حوالي 100 متر تقريبًا داخل جبل جرانيتي ضخم وشديد التحصين، وتوجيه حوالي 31 طائرة لإنهاء وجود إيران ونظامها الحالي تماما، وذريعتها للاستسلام غير المشروط هو وجود برنامج نووي يهدد العالم وهي طبعا حامي الحمى وراعية السلام التي تبحث عن إنقاذ العالم وتدعم إسرائيل في اتخاذ هذه الخطوات التي تحفظ الأمن القومي العالمي.
هل تمتلك إيران النووي؟.. نعم بالتأكيد وهذا معلن وواضح، هل يحكمها متشددون الآن؟.. نعم بالطبع، فالحرس الثوري الإيراني أشد المتشددين.. لكن هل هذا السبب هو وراء ضرب إسرائيل لها ودعم أمريكا وتحركاتها؟، قطعا لا، السبب في ضربات إسرائيل أوامر أمريكا لتسهيل حلم التوسع، والسبب في تدخل أمريكا نفس إيران الطويل وضرباتها الموجعة التي أوجعت إسرائيل بالكامل
(٤)
شرق أوسط جديد، ضمن مخطط يدعم حلم إسرائيل في التوسع، ويحافظ على مطامع أمريكا في ثروات الشرق (آسيا وإفريقيا) الثمينة جدا، ويكون الشرق الأوسط الجديد بقوة واحدة دون أخرى هي إسرائيل المتوسعة والوكيل الحصري لمصالح اللوبي الأمريكي..
ويبقى في وجه أمريكا والغرب قوى أخرى تحاول البحث عن ذرائع لتدميرها، منها مصر والصين وروسيا وباكستان وبعض القوى الأخرى، التي تنزعج الإدارة الأمريكية من تواجدها وتحسبها منافسا لها على عرش العالم، وإن لم يكن ذلك صحيحا ومعتقد خاطئ لديهم، لكنها الأنا الأمريكية الرافضة لوجود أي قوة على سطح الأرض.
والحقيقة مهما كانت الآلة الأمريكية المدمرة، ومهما كانت الأجهزة الاستخباراتية الساحقة، لم يكن يتحقق ذلك لو كان العرب بوعي وقوة واتحاد العرب وإفريقيا، لكن للأسف قطعا، يُضرب بعضهم بأموال ومساعدة البعض الآخر، ويدمر العرب بأيدي العرب أنفسهم..
ختاما
الساعات القليلة القادمة، حبلى بالأحداث والمفاجأت غير السارية وغير المطمئنة على الإطلاق..
ومصر هي مصر، صخرة تتحطم عليها مكائد الكائدين ومكانه الطامعين، واعية، ومخلصة، قوية وحرة وأبيّة، مواقفها سياسية وتحركاتها حكيمة، لا تحارب نيابة عن أحد ولا هي دولة عدوانية كي تختلق المشكلات، لكنها تتصرف بحكمة للدفع نحو استقرار وسلام وإنهاء الحروب والنزاعات لحماية الجميع، وليس حماية نفسها فقط، لكن إن لزم الأمر ستكون لها بالتأكيد..
والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.