في كل مرة تعلن فيها وسائل الإعلام عن غارة إسرائيلية جديدة داخل الأراضي السورية، يتساءل كثيرون: لماذا هذا التصعيد؟ خصوصًا في ظل واقع لم تعد فيه سوريا تشكل أي تهديد فعلي لإسرائيل، لا سياسيًا ولا عسكريًا، بل تُدار البلاد فعليًا من قبل منظومة تخضع بالكامل للرؤية الأميركية، لا تمتلك قرار الحرب أو السلم.
فلماذا تستمر تل أبيب إذن في استهداف مطارات، ومقار أمنيّة، بل وحتى منشآت خدمية ظاهريا ً ؟
ولماذا لا يرد النظام السوري ؟ ومن هو “النظام” أصلًا في هذه المرحلة؟
هذه الأسئلة تُشكّل جوهر المشهد السوري – الإسرائيلي المعقّد، وتُبرز حقيقة ما يحدث تحت سطح الخطاب الإعلامي المعتاد.
أولا ً: من هو الحاكم الفعلي لسوريا اليوم ؟
بعيدا ً عن الصور الرسمية والتصريحات البروتوكولية، فإن السلطة الفعلية في سوريا اليوم يمسك بها أحمد عوّام الشرع نجل نائب الرئيس السوري الأسبق فاروق الشرع – بدعم مباشر من الولايات المتحدة، وبغطاء دولي متعدّد الجنسيات. النظام الظاهري المتمثل في بشار الأسد أصبح مجرد واجهة ورقية، لا يملك من قراره شيئًا، ولا يُستبعد أن يُستخدم كورقة تجميلية إلى حين ترتيب إعلان “مرحلة ما بعد الأسد” بشكل ناعم لا يهزّ الاستقرار الميداني.
هذا النظام الجديد لا يُخفي تبعيته الوظيفية للغرب، ولا يُتوقع منه أن يعارض المصالح الإسرائيلية بأي شكل، بل على العكس، هو جزء من منظومة إعادة هندسة الدولة السورية بما يُلائم المصالح الأميركية الإسرائيلية.
ثانيا ً: لماذا تستمر إسرائيل في القصف إذن؟
1. تصفية النفوذ الإيراني المتبقي ؛؛
رغم انهيار كثير من البنية العسكرية السورية التقليدية، إلا أن هناك جيوبًا إيرانية لا تزال تنشط داخل الأراضي السورية، سواء عبر الحرس الثوري، أو حزب الله، أو شبكات تسليح وتخزين. إسرائيل تعتبر هذا الوجود تهديدًا وجوديًا، وتتحرّك ضمن ما يُعرف بعقيدة “المعركة بين الحروب”، أي قضم مستمر للبنية المعادية دون دخول في مواجهة شاملة.
2. ضمان تفكيك البنية الدفاعية السورية القديمة
حتى لو لم تكن موجهة ضد إسرائيل حاليًا، فإن بقاء منظومات دفاع جوي، أو شبكات رادارية قديمة، يُعدّ خطرًا مؤجلًا، ولذلك تتعمد تل أبيب ضربها بشكل ممنهج، خاصة بعد انسحاب روسيا الجزئي من الساحة الجوية السورية نتيجة انشغالها بالحرب في أوكرانيا.
3. رسائل للداخل الإيراني واللبناني ؛؛
كل ضربة في سوريا هي أيضًا رسالة لإيران :
لا خطوط أمام إسرائيل في المنطقة، ولا عمق استراتيجي مضمون. وهي في ذات الوقت تحذير لحزب الله من محاولة استغلال الجغرافيا السورية في أي تحرك مستقبلي ضد إسرائيل.
4. تحقيق توافق ميداني مع واشنطن ؛؛
إسرائيل لا تتحرك بمعزل عن الإدارة الأميركية، بل إن الضربات تُنسّق ضمن خطة إقليمية تستهدف تحجيم إيران دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. بل يُرجّح أن النظام الوظيفي السوري الجديد يُبلغ أحيانًا مسبقًا بالضربات أو يُحيّد عناصره أثناء التنفيذ.
ثالثا ً: لماذا لا يرد النظام السوري ؟
لأنه ببساطة لا يستطيع ، ولا يريد :
• لا يستطيع لأنه فقد السيادة الفعلية، وليس له سلطة على القرار العسكري.
• ولا يريد، لأن من يحكم فعليًا – أحمد الشرع ومن معه – يعلمون أن صمتهم هو ضمان لبقائهم في ظل الرعاية الأميركية.
• بل إن الرد الرمزي – كإطلاق صاروخ سطحي لا يصل – ليس سوى ذر رماد في العيون.
رابعا ً: لماذا تستهدف إسرائيل منشآت “مدنية” ؟
كثير من المرات تُضرب منشآت تُوصَف بأنها “وزارات” أو “منشآت خدمية”، لكن في واقع الأمر :
• إما أنها تحوي غرف قيادة وتحكم إيرانية الطابع.
• أو أنها تحولت إلى مراكز سيطرة ميليشياوية أو مستودعات سلاح تحت غطاء إداري.
• أو ببساطة، فإن تل أبيب باتت تضرب حتى الرموز الخدمية التي تُستخدم كأدوات تواصل غير مباشر مع إيران
بإيجاز :
إسرائيل لا ترى في النظام السوري الحالي – المتمثل فعليًا في أحمد الشرع ومنظومته الأمنية المدعومة أميركيًا – أي تهديد عسكري أو استراتيجي. بل تعتبره شريكًا وظيفيًا غير معلن في إعادة صياغة سوريا بما يضمن أمن إسرائيل ويُقصي النفوذ الإيراني.
أما الغارات الإسرائيلية، فهي ليست تصرفات عدائية ضد “دولة ذات سيادة”، بل هي جزء من منظومة تنظيف ميداني بتنسيق غير مباشر، تُدار برضى واشنطن، وسكوت النظام، وتواطؤ من كل من يدّعي الدفاع عن السيادة السورية، بينما يتقاسم الأرض والنفوذ .