لم تكن العملية “سوزانا” أو ما عُرف بفضيحة “لافون” مجرد حادثة عابرة في منتصف القرن العشرين، بل كانت كاشفة لطبيعة المشروع الصهيوني وأساليبه في استهداف مصر. منذ بداياته، أدرك الكيان الإسرائيلي أن المواجهة مع مصر ليست عسكرية فقط، بل استخباراتية ونفسية، تستهدف تشويه صورة الدولة وضرب استقرارها من الداخل.
البداية كانت عام 1954، عندما حاولت إسرائيل عبر جهازها الاستخباراتي زرع شبكة من اليهود المصريين لتنفيذ عمليات تفجير في مكتبات ومراكز ثقافية أمريكية وبريطانية بالقاهرة والإسكندرية؛ والهدف كان واضحًا للإيحاء بأن مصر غير مستقرة وأن الغرب لا يجب أن يثق بعبد الناصر أو يدعمه، لكن العملية انهارت سريعًا عندما انفجرت إحدى القنابل في جيب عميل إسرائيلي، ليتم كشف الشبكة بالكامل.
تحولت المؤامرة إلى فضيحة مدوية أجبرت وزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس لافون على الاستقالة، وأظهرت إسرائيل أمام العالم كدولة تمارس الإرهاب بدلًا من ادعاء ضحية الإرهاب.
فضيحة لافون كانت بمثابة جرس إنذار مبكر لمصر بأن إسرائيل لن تتردد في استخدام أي وسيلة لضرب الدولة المصرية.
ومع مرور العقود، تطورت الأدوات من تفجيرات سرية إلى تحالفات خفية مع قوى داخلية معادية، في مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين؛ الذين سعوا دائمًا لاختطاف الدولة من الداخل، ووجدوا ضالتهم في إسرائيل – مباشرة أو عبر أدواتها – كشريكًا موضوعيًا في إضعاف مصر، وهكذا التقت مصالح الطرفين (دولة صهيونية تسعى لضرب استقرار مصر، وجماعة أيديولوجية تريد إسقاط مؤسساتها الوطنية).
في هذا السياق برزت حركة حماس، التي رغم رفعها شعار “المقاومة”، بقيت الذراع العسكري والفكري لجماعة الإخوان، لاستخدمها كأداة للتدخل في الداخل المصري.
وقد تكشّف ذلك بوضوح خلال أحداث يناير 2011، حين شاركت عناصر من حماس في اقتحام السجون المصرية وتحرير قيادات إخوانية في عملية منظمة هدفت إلى إسقاط مؤسسات الدولة وزعزعة الأمن الداخلي.
لم يتوقف الأمر عند اقتحام السجون، بل امتد ليشمل اعتداءات مباشرة على القوات المصرية في شمال سيناء؛ فقد ثبت تورط عناصر من حماس في مهاجمة كمائن عسكرية، وتقديم دعم لوجيستي وتسليحي للجماعات الإرهابية التي نشطت في تلك الفترة، كان الهدف إرباك الجيش المصري على حدوده الشرقية، ومنح الإخوان غطاءً عسكريًا يحمي وجودهم السياسي، لكن القوات المسلحة والمخابرات المصرية واجهت هذه التحديات بحسم، ففككت الأنفاق وضيقت الخناق على أي محاولة لاختراق الأمن القومي المصري.
و من منظور أعمق للأحداث بدءا ً من تفجيرات مكتبات القاهرة عام 1954 إلى أنفاق غزة واعتداءات سيناء بعد 2011، نجد ان هناك خيط أسود ممتد بسعي إسرائيل لاختراق الداخل المصري،مروراً بالاخوان بتوفيرها الغطاء انتهاءا بحماس كذراع تنفيذية. لكن في المقابل، هناك خيط وطني لا ينقطع يتمثل في يقظة المخابرات وأجهزة المعلومات المصرية والتي لم تكتفي بكشف المؤامرات، بل حولتها إلى نقاط قوة سياسية، أثبتت للعالم أن مصر لا تُخترق مهما اختلفت الأدوات وتعددت الوجوه.
وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا على أن الوعي الشعبي هو خط الدفاع الأول في مواجهة المؤامرات، وأن الفتن والشائعات التي تسعى القوى المعادية إلى بثها لإحداث الشروخ في الجسد المصري تمثل السلاح الأخطر في حروب العصر الحديث، لكن هيهات أن ينجحوا، فالمصريون بوعيهم وتضامنهم مع جيشهم ومؤسساتهم، يشكّلون معًا سدًا منيعًا لا يُخترق.
وهكذا تبقى مصر عصيّة على كل فتنة، قوية بأبنائها، منيعة أمام كل مخطط.