يُعتبر وجود قدرة مالية لدى المرشحين في أي انتخابات أمرًا ضروريًا دون أدنى شك، لكن الأمر حقيقة يجب أن يُنظر إليه من زوايا متعددة.
فمن جهة، يُمكن القول إن المرشح الميسور ماديًا قد يكون أقل عرضة لإغراءات التربح أو استغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، فكما يقول المثل: “العين الملأى لا تحتاج إلى ما في أيدي الناس”. هذا لا يمنع بالطبع أن يكون هناك مرشحون أقل ثراءً يمتلكون فكرًا أفضل بكثير ونزاهة لا تُقارن، فالمعادلة ليست دائمًا بهذا التبسيط.
.. لكن عندما ننتقل إلى فكرة التبرع للأحزاب والمؤسسات السياسية، فإن الصورة تصبح أكثر تعقيدًا، فمن البديهي لدينا جميعا والمعروف أن في الآونة الأخيرة تواجه الأحزاب السياسية في مصر صعوبات مالية كبيرة، وبالتالي فإن دعم المرشحين أو الراغبين في الترشح في السباقات الانتخابية لها هو خطوة ضرورية، حتى تتمكن تلك الأحزاب من توفير تمويل لأنشطتها وتحقيق أهدافها.. فهذا الدعم هو شريان الحياة الذي يُبقي الحزب قائمًا وقادرًا على خدمة المجتمع، وهو ما لا يُمكن الاختلاف عليه.
إلا أن الواقع يحمل وجهًا آخر لهذه العملية، وجهًا قد يُحوّلها من واجب حزبي إلى “سبوبة” يستفيد منها قادة الأحزاب ومن يُحيطون بهم.. فكثيرًا ما تُسمع الوعود بالدعم والحماية، وبالمقاعد الانتخابية، مقابل تبرعات مالية سخية. هذه الوعود قد لا تكون قانونية، والأخطر من ذلك أن هذه التبرعات باتت تحول على شكل هدايا غير مشروعة تقدم كقرابين لأولي الأمر بس هذا الشأن والمقربين منهم لكسب تأييدهم ووصولهم إلى الحلم المنشود، وذلك يقع تحت طائلة ما يُمكن أن نُسميه “نصب سياسي”.
هذا الوضع يُثير تساؤلات جدية: كيف يُمكننا التصدي لهذه الظاهرة؟ كيف نُغلق باب “السبوبة” أمام رؤساء الأحزاب وحاشيتهم، دون أن نُعيق مسيرة الدعم الحزبي الضرورية؟، الأمر يحتاج إلى مقاربة متزنة وذكية، تجمع بين الحزم والوعي.
لعل الحل يكمن في فرض قوانين أكثر صرامة وشفافية على تمويل الأحزاب، تُلزم بإعلان مصادر الأموال وطرق إنفاقها. كما أن تفعيل دور الهيئات الرقابية المستقلة يُمكن أن يُشكل رادعًا قويًا لكل من تسول له نفسه استغلال منصبه. والأهم من ذلك، هو ضرورة خلق ثقافة سياسية داخل الأحزاب تُعلي من شأن النزاهة والعمل الجماعي، وتُحارب كل أشكال الفساد والتربح. فالمرشح ليس بقرة حلوبًا تُستغل من أجل مصالح شخصية، بل هو ممثل لأمة، وعليه أن يرى في انتمائه الحزبي خدمة للوطن، لا مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية.