ماذا حدث للمصريين؟ ولماذا تغيرت طبائعهم وخصالهم الحميدة؟ وأين ذهبت المودة والرحمة والزمالة وحسن الجيرة والجوار؟ كيف تحولوا فيما بينهم من مسلمين متوادين متراحمين إلى عداوة وبغضاء وتربص ومحاولات لا تنتهي للفتك بالآخر والقضاء عليه إذا لزم الأمر.
شخصية المصري بين الأبيض والأسود والألوان وأفلام المقاولات بين القديم المفرح المبهج الذي يزيد المجتمع ترابطا وتماسكا، والحديث الدموي المبني على بحور الدماء والشر والفزع وإثارة الفاحشة والفساد بكل صوره.
الناس في بلادي كانت طيبة ودودة متراحمة، وعلاقاتها قائمة على الرحمة وإطعام المساكين ومشاركة الجار أفراحه ومساندته وشد أزره في أزماته ونكباته، وصندوق الخير كان جاهزا وممتلأ لمساعدة المحتاجين والمكروبين، لم يكن في بلادي فقيرا ولا محتاجا ولا ينام أحد بدون عشاء أبدا.
تحول الناس إلى كائنات عجيبة غريبة، فظهر على وجوه الناس ما بداخلهم، فقست ملامحهم وأكل الحقد والغل محاسن وجوههم، وتاهت الابتسامة في غياهب السنين، وباتت الماركة «111» علامة مصرية مسجلة تعتلي جباه الجميع لأسباب مختلفة، لكنها في النهاية تجسد حياة شعب بائي أكل منه الزمن وشرب.
الأمر ليس وليد صدفة أو يوم وليلة، وإنما هو نتاج سنوات طويلة من المعاناة وانقطاع الأمل، فعلى مدار عقود قاسية بدأ التفاؤل والابتسامة يتلاشيان، واختفت معهم حتى النكتة التي كانت تظهر كلما اشتدت الأزمات والتي فاقت الاحتمال فأخذت معها كل شيء.
نحتاج أن نطعم قلوبنا قبل بطوننا، نعم كلا منا يحتاج من يحنو عليه.. الشعب كله يحتاج من يطبطب عليه، فضغوط متطلبات الحياة أصبحت قوة قتل ليست ثنائية ولا ثلاثية، ولكنها سباعية تضرب في مقتل.
باختصار.. الشعب المصري معروف عنه أنه الأخف دما على مستوى العالم والأسرع في إطلاق النكات وقت الأزمات.. المصري «طول عمره» يقاوم مستجدات الزمن وطوارئ الأيام بالنكتة والابتسامة والكلمة الطيبة ويتخلص من ضغوط الحياة وآلامهما ونكباتها عبر بوابة الابتسامة والدم الخفيف، وبات المثل الشعبي «لاقيني ولا تغديني» هم الأصل تجسيدا لأهمية الاستقبال ودوره في تقوية الروابط والعلاقات الإنسانية.
ما يحدث للمصريين الآن من تغيير في ملامحهم بعد آلاف السنين يكشف الحالة الطارئة التي حولت حياتنا إلى ملامح مختلفة وخرج كل ما داخل النفوس إلى شكلنا الخارجي غما وهما وحزنا.. الأمر الذي يؤكد معنى واحد فقط أن المصريون يبحثون عمن يحنو عليهم لنتوغل في الجذور ونعود إلى السطح مرة أخرى تعم الفرحة والابتسامة حياتنا مهما كانت الضغوط، ويعود للعالم المصري أبو دم خفيف.