8 أكتوبر 2014.. الساعة 11.34 مساءً.. طنين يحوم في سماء البيت حولي يخرج من بين 10 أفراد فأكثر ممن كانوا موجودين، لا أسمع كلماتهم ولا أفهمها، لا أرى سوى أجساد بلا ملامح، المنزل كأنه الشارع مضاء بوهيج شمس التاسعة صباحًا، عيناي لا ترى سواه بجلبابه الأبيض، عيناه مرفوعة للسماء تارة ولي تارة، الندى يخرج من مسام قدماه، وعيناه تخر دمعا، وشفتاه يتمتمان: “فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
الآن حان وقت الساعة كما كان يعلمني علاماتها، يداي ترتجف، قلبي خرج من أضلعه وتركني لا أعرف إلى أين ذهب، أمسكت بملعقة وأسكبت منها ماءً في فمه تهون عليه السكرات كما علمني، كف اليمنى استند على وجههي بطبطة تفتقد لأي قوة، هي وهن على وهن، لساني ينطق بأسماء أخوتي: “تعالوا ودعا أبيكما وقبلوه..”.
نطق أبي كلماته الأخيرة الممزوجة بدموعه العزيزة: “أهم شايفهم حجاج بيت الله شايفهم، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”، وانقطع صوته عن الدنيا بعدها مبتسمًا، كان الوداع الأخير، وكانت البداية لأقف في وجه الدنيا عاريًا، بلا سند، بلا ظهر، بلا قوة، لكن عمله – عمل أبي في دنياه – كان درعًا وحماية وسندًا، كان سلاح الصبر والقوة، القشة التي نتعلق بها، رحل برسالاته الأخيرة، وودعاته للأحبة والأهل، ووصاياه لنا وللجميع.
أبي الحبيب، مرّت أحد عشر عاماً على رحيلك، ولا يزال اليوم الذي غادرت فيه عالمنا كأنه الأمس. لم تكن مجرد أب، بل كنت عمود البيت بل العائلة وسند الروح، ووفاتك لم تكن مجرد فقد، بل كانت غصة أبدية زرعتها في قلبي، غصة ترفض أن تندمل مع مرور السنين.
حياتي من دونك يا أبي أصبحت صعبة، وكأنني أسير في طريق مظلم بلا دليل. كلما واجهتني صعاب الحياة، وكلما ثَقُل عليّ الحمل، يصرخ قلبي ألماً: “كم أحتاج إليك الآن!”؛ لأسمع صوتك، وأستمد قوتي من حكمتك، وأستريح في كنف أمانك الذي لا يُعوض.
لم أعد أجد ذاك الحضن الدافئ الذي يزيل عني عناء الدنيا، ولا تلك الابتسامة التي كانت تشرق أملاً في حياتي. فراقك كسر لا يُجبر، وذكراك هي الوجع الجميل الذي أعيش به. نم قرير العين يا فقيد قلبي، فدعواتي تسبق اسمك، وحبك باقٍ في روحي إلى الأبد.
أسألكم الدعاء له بالرحمة والمغفرة وجنات نعيم