في جلسات الحوار الوطني، والتي كنت حاضرها بالكامل غالبًا بحكم وطبيعة عملي الذي وضعني في مهمة تولي هذا الملف صحفيا، كانت الغالبية العظمى وربما كان هناك شبه إجماع على أن النظام المختلط بين القائمة والفردي، وإعلاء نظام القائمة هو النظام الانتخابي الأمثل، وكانت تبريرات الآراء أن هذا النظام وتحديدا القائمة يقضي على المال السياسي والقبلية ويضمن التمثيل الأمثل لكافة الفئات والأطياف سواء كانت أحزاب أو تحالفات أو تكتلات سياسية وائتلافات وحتى شخصيات عامة مستقلة، مرأة وشباب وأصحاب خبرات.
الآن أشهد اعتراضات كثيرة، أغلبها حزبية على هذا النظام، وأن النظام الفردي هو النظام الأمثل في عدالة التمثيل، ويقضي على المال السياسي وهيمنته، مثلما حدث تمامًا في قانون الإجراءات الجنائية حينما لاقى تأييدا من الجميع، وعندما أعاده السيد الرئيس لاعتراضه على بعض البنود والمواد، هتف الجميع بأنه القرار الأصوب والتاريخي والانتصار لحقوق الإنسان والعدالة.
والسؤال هنا: هل فجأة اكتشف هؤلاء أن نظام القائمة “كارثة” وباب من أبواب المال السياسي؟، هل فجأة اكتشف الجميع أن هناك أحزابًا تسيطر على المشهد؟، هل فجأة اكتشفت تلك الأحزاب أن توزيعات الحصص والمقاعد غير عادلة؟، لماذا لم يتساءلوا عن سبب التراجع مثلا؟، لمٓ لمْ يتساءلوا عن جهودهم وعن آراءهم ومواقفهم التي أتت بمثل هذا وذاك؟.
والإشكالية هنا ليست في التأييد أو المعارضة، الإشكالية في تعمد الهتاف – على الفاضي والمليان – دون مراجعة أو إعمال العقل والتفكير والتدبر بعقلانية وطرح مواقف وآراء قائمة على المنطق والعقلانية، ودون مراعاة للمواطن البسيط الذي لا يعي هذا من ذاك، فبات في حالة تخبط لا يعرف هل هذا هو الصح أم ذلك هو الأصح، أم كلاهما لا يجوز أصلا، في كافة المواضيع والملفات.
هذا التخبط بالتأكيد نتيجة هذا التأييد المطلق لكسب الرضا وإثبات الولاء، – الذي اعتقد غير مطالب به وليس مرغوب فيه – يولد حالة من عدم الثقة تمامًا ويوسع الفجوة بين المواطنين وأصحاب القرار، وأتصور أنها واحدة من أهم أسباب عزوف المواطنين عن المشاركة في الآونة الأخيرة، وسبب تراجع اهتمامه وتفاعله، وهي كارثة يجب أن تؤخذ في الاعتبار حتى لا نبكي على اللبن المسكوب، فمصر وطنٌ يستحق أن نجتهد لأجله ولأجل أبنائه المخلصين الذين يتحملون تبعات تحديات وأزمات صعبة، ولا يدخرون جهدا في التصدي لها، حبا في بلادهم وإخلاصا لها.