جاءت زيارة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى روما للمشاركة في مؤتمر السلام العالمي لتؤكد من جديد الدور الريادي الذي تضطلع به مصر في نشر ثقافة السلام وإحياء قيم الحوار والتعايش بين الأديان والشعوب.
الزيارة، التي جاءت بعد أيام قليلة من مؤتمر شرم الشيخ للسلام الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعكس بوضوح أن السلام هو مشروع وطني شامل تتبناه الدولة المصرية، يلتقي فيه البعد السياسي بقيادة الرئيس مع البعد الروحي والفكري الذي يمثله الأزهر الشريف.
في كلمته أمام المؤتمر، شدد الإمام الأكبر على أن السلام لا يتحقق بالقوة ولا بالمصالح السياسية وحدها، بل يبدأ من الضمير الإنساني، ومن إيمان الإنسان بقيمة الحياة وحق الآخرين في الأمن والكرامة. ودعا إلى ضرورة أن يتحمل القادة الدينيون مسؤوليتهم الأخلاقية في مواجهة موجات الكراهية والتطرف التي تهدد استقرار العالم.
وتأتي هذه الزيارة في إطار مسيرة الحوار بين الأديان التي يقودها الأزهر منذ سنوات، تأكيدًا على أن الأديان وُجدت لتجمع القلوب لا لتفرّقها، ولتكون مصدرًا للأخوة الإنسانية لا للصراع. وقد أعادت لقاءات الإمام الأكبر في روما، خاصة مع البابا فرنسيس، إحياء روح التعاون التي بدأت منذ توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي عام 2019، بوصفها خطوة عملية لإرساء أسس التفاهم بين أتباع الديانات المختلفة.
كما تحمل الزيارة بُعدًا إنسانيًا عميقًا، إذ جاءت في وقتٍ يشهد فيه العالم أزمات متلاحقة، خصوصًا في منطقتنا العربية. وقد وجّه شيخ الأزهر رسالة واضحة بأن العالم بحاجة إلى أن يستيقظ ضميره الإنساني، وأن يدرك الجميع أن فقدان الرحمة أخطر من فقدان الموارد، وأن الظلم لا يمكن أن يكون طريقًا إلى سلامٍ دائم.
إن مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر السلام بروما تُجسّد الوجه الإنساني لمصر، وتؤكد أن القاهرة لا تزال منارةً للعقل والحكمة والاعتدال، وأنها تتحرك بثبات لتكون جسرًا بين الشرق والغرب، وصوتًا للضمير في زمنٍ فقد فيه العالم صوته الإنساني.









