تعيش سوريا اليوم حالة احتلال فعلي متعددة الأوجه، بعدما تحولت أراضيها إلى ساحة مفتوحة لصراع النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية، وتآكل القرار الوطني تحت وطأة التبعية والوصاية.
تسيطر القوات الأمريكية على مناطق شرق سوريا الغنية بالنفط، متذرعة بمحاربة الإرهاب، بينما تحكم تركيا قبضتها على الشمال بحجة حماية أمنها القومي، في حين تواصل إسرائيل اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية دون أي رادع دولي، في انتهاك صارخ لسيادة الدولة.
في المقابل، تنتشر جماعات مسلحة مدعومة من الخارج تمثل أدوات ضغط استخباراتية تخدم أجندات أجنبية، ما أدى إلى تفكيك البنية الوطنية السورية وتحويل بعض المناطق إلى كانتونات تتنازعها الولاءات.
لكن الأخطر من الاحتلال العسكري هو الاختراق السياسي، إذ بات القرار السوري مرتهنًا لإرادة الخارج أكثر من كونه تعبيرًا عن إرادة الداخل. فالرئيس الحالي، بحسب المشهد القائم، يبدو أنه نتاج تفاهمات دولية وإقليمية أكثر من كونه اختيارًا وطنيًا حرًّا، ما يجعله عرضة لتأثير القوى الكبرى، خصوصًا واشنطن وتل أبيب، اللتين تسعيان لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية.
بهذه الصورة، تصبح سوريا جزءًا من مشروع هندسة جديدة للشرق الأوسط، هدفه إضعاف الدول الوطنية وإعادة توزيع موازين القوى، مع تحويل الأنظمة المحلية إلى أدوات طيّعة في خدمة تلك المشاريع.
ومع ذلك، لا تزال في سوريا مساحة للأمل. فالشعب السوري الذي صمد في وجه الحرب والمؤامرات ما زال يمتلك روح المقاومة والقدرة على النهوض. إنّ الخلاص لن يأتي من الخارج، بل من وعي الداخل ووحدته، واستعادة القرار الوطني بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية.
إنّ تحرير سوريا لا يعني فقط خروج الجيوش الأجنبية من أراضيها، بل تحرير إرادتها السياسية من الوصاية والارتهان. فحين يدرك السوريون أن وطنهم لا يمكن أن يكون ساحة للغير، بل أرضًا لأبنائه وحدهم، عندها فقط ستعود سوريا الحرة المستقلة، لتستعيد دورها ومكانتها في محيطها العربي.
 
			 
					









