على مدار الساعات القليلة الماضية، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لفتاة تُجري اختبار “البشعة” في محاولة لتبرئتها من تهمة وجهها لها زوجها بالطعن في شرفها – حسبما جاء في الفيديو، ورغم براءتها كما ادعت إلا أنها وقعت في فخ الطلاق.
وأثار هذا المقطع المصور حالة كبيرة من الغضب بين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ما بين متضامن ومتعاطف مع الفتاة وغاضب من هذا الفعل، وبين كثيرين رأوا أنهم مقطع تم تصويره بهدف التربح من المشاهدات وتصدر التريند، إلا أن الجميع اتفق على أن البشعة جرم لا يمكن أن يُغتفر، باعتباره ممارسة للاعتداء والعنف ضد الآخرين.
إدانة قاطعة لـ “فيديو البشعة” ومحاربة الجهل
أدانت المحامية دينا المقدم عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بشدة تداول مقطع الفيديو المعروف باسم “فتاة البشعة”، مُطلقة تصريحاً نارياً أوضحت فيه خطورة هذا الفعل من الناحيتين القانونية والأخلاقية. وأكدت المقدم أن هذا السلوك يُعدّ جريمة مكتملة الأركان، مُشددة على أن الإيذاء والتشهير بالنساء تحت ذريعة “الشرف” هو انتهاك مرفوض، ولا يمكن تبريره بأي عرف أو تقليد.

كما حذرت بقوة من أن الدافع للبحث عن “التريند” والشهرة من خلال مثل هذه الأفعال لا يُعفي صاحبه من العقوبة الصارمة.
وشددت المقدم على ضرورة تجاوز هذا السلوك بالقول: “كفاية جهل وتخلف”، مؤكدة أن ممارسة “البشعة” هي بدعة وحرام شرعًا ولا أصل لها، وتُعد تعذيبًا وإيذاءً بأساليب باطلة.
الأساس الدستوري والقانوني لحماية المرأة
أوضحت المحامية المقدم أن الدولة المصرية تُشدد إجراءاتها القانونية ضد العنف المُوجه للمرأة، مُشيرة إلى أن حقوق المرأة وكرامتها مصونة بالدستور ومحمية بقوة القانون. واستعرضت الأساس الذي ترتكز عليه المنظومة القانونية المتكاملة لمواجهة الإيذاء الجسدي أو النفسي للمرأة. فقد ألزم الدستور في المادة 11 الدولة بحماية المرأة من كل أشكال العنف والتمييز، كما حظرت المادة 55 التعذيب والإكراه والإهانة الجسدية أو النفسية والاعتداء على الكرامة الإنسانية.
وعلاوة على ذلك، يُجرّم قانون العقوبات المصري الضرب والإيذاء في مواده من 242 إلى 246، ويُعاقب على السب والقذف والتشهير والاتهامات التي تمس الشرف دون دليل، ويُشدد العقوبة على الاحتجاز أو تصوير الضحايا أو نشر صورهم وإهانتهم بموجب المادة 309 مكرر وما يليها.
رفض المبررات الأخلاقية وضرورة العقاب
أكدت دينا المقدم بشكل حاسم أن القانون المصري لا يعترف بأي مبرر أو عذر لتخفيف العقوبة في قضايا القتل أو الضرب أو إذلال النساء بحجة “الشرف”، مشيرة إلى أن “مصر لا تعترف قانونيًا بأي مبرر للعنف تحت اسم الشرف”. وشددت على أن أي حمل أو اتهام أخلاقي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مبررًا للاعتداء أو التعذيب.

وأوضحت أنه حتى في حالة وجود نزاع أسري أو تهمة متعلقة بالأخلاق، يجب أن يكون التعامل حصرياً قضائياً، بعيداً عن العنف أو التعنيف أو التشهير. واختتمت بالتحذير من أن أي إجبار على الاعتراف، أو ضرب، أو تصوير، أو إذلال، يدخل في نطاق جرائم التعذيب والتشهير والعنف الأسري ونشر البيانات الشخصية، وهي جرائم تصل عقوبتها إلى الحبس المشدد، مؤكدة ضرورة معاقبة المتورطين في تداول ونشر الفيديو إذا كان هدفهم تحقيق “التريند”.
إليك صياغة في فقرتين متسقتين بعنوان قوي ومباشر يلخص موقف دار الإفتاء:
الإفتاء تُحرم “البشعة”.. وتحذّر: لا أصل لها في الإسلام
أكدت دار الإفتاء المصرية بشكل قاطع أن ما يُعرف بـ “البِشْعَة” – وهي الممارسة القائمة على إلزام المتَّهَم بلعق إناء نحاسي مُحمّى بالنار لإثبات البراءة أو الإدانة – لا أصل لها في الشريعة الإسلامية على الإطلاق، مُعلنة أن التعامل بها مُحَرَّم شرعًا. وشددت الدار على أن هذه الممارسة تُخالف مقاصد الشريعة التي جاءت لحماية النفس البشرية وصيانة الكرامة الإنسانية، فهي تنطوي على إيذاء وتعذيب وإضرار بالإنسان، وتعتمد على تخمينات باطلة لا تُشكل طريقاً معتبراً لإثبات الحقوق أو نفي التُّهَم. وأوضحت دار الإفتاء أن الإسلام رفض جميع الأساليب التي تُنتهك بها حرمة الإنسان تحت دعاوى باطلة أو عادات موروثة، مُذكرةً بأن الشريعة قد رسمت طرقاً واضحة وعادلة لإثبات الحقوق ودفع التُّهَم، وفي مقدمتها القاعدة النبوية: “البَيِّنةُ على مَنِ ادَّعى، واليَمِينُ على مَن أَنْكََرَ”، وهي القواعد الراسخة التي تُقيم ميزان العدل بعيداً عن أساليب الضرر والمهانة.
واستكمالاً لدورها الشرعي والوطني، أكدت دار الإفتاء على ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الممارسات وآثارها السلبية، مُحذّرة من الانسياق وراء عادات خاطئة تُلبس بثوب إثبات الحق وهي في حقيقتها باطلة ومُحرَّمة. ودعت الدار إلى صون كرامة الإنسان التي عظَّمها الله، مؤكدة أن حماية الإنسان من الإضرار به هي واجب شرعي ومسؤولية مجتمعية تُرسخ ثقافة العدالة والرحمة وتُدعّم الثقة في مؤسسات الدولة وطرق التقاضي الشرعية والقانونية. واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن الاحتكام إلى الشريعة والقانون هو السبيل الأمثل لحفظ الحقوق واستقرار المجتمع، وأن عدل الإسلام ورحمته أوسع من أن تُختزل في ممارسات تُهين الإنسان.











