أتمنى صدور بيان واضح وصريح من رئاسة الجمهورية يرفض مناشدة نادي الزمالك بتدخل الرئيس شخصيا ً لإصدار قرار استثنائي يعيد للنادي أرض أكتوبر، التي تم تطبيق القانون عليها واستردتها الدولة وفق الإجراءات القانونية السليمة.
هذه القضية لا تتعلق بقطعة أرض بقدر ما تتعلق بجوهر فكرة الدولة ذاتها، وبالرسالة التي تُبث إلى المجتمع في لحظة فارقة تختبر فيها مصداقية الشعارات حين تتحول إلى مواقف.
نادي الزمالك ليس مجرد كيان رياضي، بل مؤسسة اجتماعية وتربوية كبرى، لها ملايين المشجعين والمتابعين من مختلف فئات المجتمع؛ مسئولين ومرؤوسين، رجالا ً ونساء ً، وأطفالا ً يمثلون نشء المستقبل. ومن هنا يصبح السؤال الحقيقي: ماذا نُعلِّم هؤلاء من خلال هذه المناشدة؟
هل نُعلِّمهم أن القانون يمكن تجاوزه بقرار استثنائي إذا كان صاحب الطلب كيانا ً كبيرا ً؟
أم نُعلِّمهم أن النفوذ قد يسمو على اللوائح؟
أم نُعلِّمهم الاستهانة بالقانون والمال العام متى توفرت القدرة على الضغط؟
الأخطر أن هذه المناشدة تتعارض تعارضا ً فجّا ً مع ما يردده السيد الرئيس مرارا ً، ويتمسك به الجهاز التشريعي والتنفيذي من خلفه، وهو أن “مصر دولة قانون”. هذه العبارة لم تكن يوما ً مجرد مقولة إنشائية، بل تعهد سياسي وأخلاقي أمام الشعب وأمام العالم.
فهل المطلوب اليوم ترسيخ هذا المفهوم وتأكيده عمليا ً، ليظل القانون مرجعية واحدة لا تتجزأ؟
أم نُفرغه من مضمونه بتحويله إلى شعار يُقال، ثم تُفتح له استثناءات تحت ضغط الجماهير أو الرموز، فتفقد الدولة هيبتها، وتُصاب مصداقيتها في مقتل؟
إن تجاهل المناشدة أو الاكتفاء بعدم الاستجابة لها لا يكفي ؛ فمجرد إطلاقها بهذا الشكل يُعد تجاوزا ً في حق الدولة، وفي حق مؤسساتها، وفي حق مبدأ سيادة القانون ذاته والمحاسبة هنا ليست عقابا ً بقدر ما هي تصحيح مسار ورسالة واضحة بأن الدولة لا تُدار بالمناشدات، ولا تُختزل في ردود أفعال، بل تُدار بالقانون وحده.
الدولة التي تحترم نفسها تُعلِّم مواطنيها – صغارا ً وكبارا ً – أن العدالة لا تعرف استثناءات، وأن القانون فوق الجميع، وأن الهيبة لا تُصان بالكلمات، بل بالمواقف الحاسمة التي تُقال وتُنفَّذ في الوقت الصحيح.
فحين تُختبر دولة القانون، لا يكون الصمت فضيلة، ولا يكون الاستثناء حلا ً، بل يكون الانحياز الصريح للقانون هو الضمانة الوحيدة لبقاء الدولة قوية، عادلة، وجديرة بالثقة











