مسلات مصر.. لم تكن المسلات المصرية التي تزين ميادين أوروبا اليوم مجرد قطع أثرية نُقلت للعرض، بل كانت تحديات هندسية كبرى جسدت صراعاً بين طموح الإنسان وأوزان الجرانيت الهائلة التي تصل إلى 200 طن.
في القرن التاسع عشر، تحولت هذه الكتل من رموز دينية وسياسية إلى هدايا دبلوماسية تطلبت معارك تقنية معقدة، شملت مراحل الإنزال، التغليف، النقل البحري عبر سفن صُممت خصيصاً، وصولاً إلى إعادة النصب في القارة العجوز.
باريس: ابتكار بحري لمسلة الأقصر
تعد مسلة الأقصر في ميدان “الكونكورد” النموذج الأشهر لهذا المنجز. فبعد قرار نقلها عام 1831، تم بناء سفينة متخصصة حملت اسم “Luxor” لاستيعاب ثقلها، ووصلت الرحلة إلى باريس عام 1833.
وبسبب التكاليف الباهظة والتعقيدات اللوجستية التي واجهتها المهمة حتى نصبها رسمياً عام 1836، صرفت فرنسا النظر عن نقل المسلة الثانية التي كانت مهداة لها أيضاً.

لندن: “إبرة كليوباترا” وعاصفة خليج بسكاي
شهدت بريطانيا الرحلة الأكثر درامية مع مسلة “إبرة كليوباترا”. فرغم إهدائها للمملكة عام 1819، ظلت في الإسكندرية عقوداً بسبب عجز التمويل الحكومي، حتى تبرع السير “ويليام ويلسون” بتكاليف نقلها.
ابتكر المهندسون أسطوانة حديدية ضخمة غُلفت المسلة داخلها لتعمل كـ”عوامة مجرورة” خلف سفينة قطر.
وكادت الرحلة أن تنتهي بكارثة عام 1877 إثر عاصفة عنيفة أدت لفقدان ستة أرواح، قبل أن يتم إنقاذ “الأسطوانة” ونصب المسلة في لندن عام 1878.

روما: إرث هندسي يمتد لآلاف السنين
إذا كانت لندن وباريس قد خاضتا التحدي في العصر الحديث، فإن روما تظل المتحف المفتوح الأكبر للمسلات خارج مصر.
اعتمد الرومان منذ العصور القديمة على خبرات هندسية متراكمة وسفن شحن ثقيلة مخصصة لعبور المتوسط، مما جعل روما تحتضن أكبر عدد من المسلات المصرية التي نُقلت بتقنيات سبقت أوروبا الحديثة بقرون طويلة.










