في عالم الاقتصاد، لا تُقاس الأخبار دائما ً بسطحها، ولا تُفهم التحركات الاستثمارية من عناوينها السريعة. فحين يُقال إن شركة إماراتية أوقفت استثمارها في كيان مصري، يسارع البعض إلى استخدام مفردات من قبيل “انسحاب” أو “تراجع ثقة”، بينما الحقيقة – في كثير من الأحيان – تكون على النقيض تماما ً.
ما جرى مؤخرا ً بخصوص انتقال حصة شركة “مدن القابضة” في شركة “آيكون” للفنادق التابعة لمجموعة طلعت مصطفى إلى شركة “أبوظبي التنموية القابضة – ADQ” لا يمكن قراءته كخبر سلبي، بل يجب فهمه باعتباره إعادة تموضع داخل البيت الاستثماري الإماراتي نفسه، ونقل الاستثمار من ذراع تشغيلي إلى ذراع سيادي طويل الأجل.
الفرق بين “مدن” و”ADQ” ليس فرق أسماء، بل فرق فلسفة.
مدن القابضة كيان استثماري له حسابات تشغيلية ومحافظ متنوعة، أما ADQ فهو صندوق ثروة سيادي، يتحرك بمنطق الدولة لا بمنطق الربحية السريعة، ويدخل القطاعات التي يراها استراتيجية، لا تلك التي تبحث عن دورة خروج قريبة .. وعندما يختار صندوق سيادي بحجم ADQ أن يتولى حصة في قطاع الضيافة المصري، فهذه ليست رسالة تخفيف، بل رسالة تعميق والتزام.
الاستثمار السيادي لا يبحث عن مكاسب آنية، بل عن استقرار العائد، واستدامة الأصل، وقدرته على التوسع الإقليمي.
ومن هنا، فإن وجود ADQ في هيكل ملكية “آيكون” يمنح المشروع ثقلا ً مؤسسيا ً، ويعزز قدرته على التوسع، سواء داخل مصر أو خارجها، ويمنح الشركاء المحليين مظلة ثقة دولية يصعب تجاهلها.
أما من يربط هذا التطور بفكرة “خروج المستثمر الخليجي من مصر”، فيغفل حقيقة أساسية:
الاستثمار لم يغادر، بل انتقل من مستوى الشراكة التجارية إلى مستوى الشراكة السيادية؛ وهو فارق جوهري، خاصة في قطاعات مثل السياحة والفنادق، التي تعتمد على النفس الطويل، والاستقرار السياسي، والقدرة على تمويل التوسعات دون ضغط زمني.
من زاوية أخرى، يحمل هذا التطور رسالة غير مباشرة لكن واضحة بأن الأصول السياحية المصرية ما زالت جاذبة، والإدارة المحلية القادرة على التشغيل والتوسع ما زالت محل ثقة، والدولة المصرية – رغم التحديات – ما زالت ضمن خريطة الاستثمار طويل الأجل لدى الصناديق السيادية الكبرى.
والأهم، أن مثل هذه التحركات تكشف خطورة القراءة الانفعالية للأخبار الاقتصادية. فليس كل تخارج انسحابا ً، وليس كل تغيير شريك تراجعاً. أحيانا ً يكون الأمر ببساطة إعادة ترتيب للأدوار، بما يخدم المشروع والدولة معا ً.
وإذا وضعنا هذا التطور في سياقه الأوسع سنجد أنه ينسجم تماما ً مع نمط استثماري خليجي بات واضحا ً في مصر خلال العامين الأخيرين، كما حدث في صفقة “رأس الحكمة” وغيرها من الاستثمارات الكبرى.
الفكرة لم تعد قائمة على ضخ أموال سريعة أو صفقات قصيرة الأجل بل على الاستحواذ السيادي على أصول استراتيجية قابلة للنمو، سواء في السياحة أو العقار أو البنية التحتية.
ومن هنا، فإن دخول ADQ في “آيكون” ليس حدثا ً منفصلا ً، بل حلقة ضمن سلسلة إعادة تموضع استثماري أوسع، ترى في مصر شريكًا ً طويل الأجل لا ساحة مضاربات.
الخلاصة أن ما حدث لا يُضعف قطاع الضيافة المصري، بل يدعمه، ولا يُقلق المستثمرين، بل يطمئنهم، لأن الاستثمار حين يصبح سياديا ًيصبح أقل قابلية للارتداد وأكثر قابلية للبناء.







