إسرائيل تفكر وتخطط وتقرر بشأن غزة ما تريد، فهي تعمل في القطاع على طريقة «أنا ربكم الأعلى» وتتحكم في الأرواح والمنشآت والممتلكات، ليس على طريقة الملكية الخاصة وإلا كانت صانتها، ولا وفقًا للقوانين الإنسانية ومواثيق الأمم المتحدة أثناء الحروب، وإلا كانت حفظت على الأقل للمدنيين حقوقهم وممتلكاتهم وحقهم في الحياة بصورة آدمية، وإنما تتصرف بطريقة بربرية همجية عنصرية لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.
ونحن مشغولون بإسقاط المواد الإغاثية جوًا لإنقاذ الأشقاء المحاصرين الذين يواجهون الموت جوعًا، ونستجدى المحتل لإقرار هدنة إنسانية رحمة بالمصابين وحقنًا للدماء في إطار البحث عن حلول شاملة، فإن اليهود يفكرون بطريقة أخرى تأمينًا لأنفسهم واقتناصًا وابتلاعًا للمزيد من أراضي غزة في تحدٍّ جديد للمجتمع الدولي وتضييق الحصار على الغزيين.
مساء السبت نقلت قناة «كان 11» التابعة لهيئة البث العبرية عن مصادر رسمية إسرائيلية، أن تل ابيب تعتزم بناء منطقة أمنية عازلة تفصل غزة عن إسرائيل، بهدف تحقيق الأمن المنشود لليهود بعد انتهاء الحرب، وأن بناء هذه المنطقة يستلزم استقطاع 16% من مساحة القطاع.
المنطقة المزعومة وفقًا للمصادر اليهودية سيتراوح عمقها بين 600 متر إلى كيلو متر، وذلك من إجمالي قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلو مترًا مربعًا بطول 41 كيلومترا بينما يتراوح عرضه بين 6 و12 كيلو مترًا.
بحسبة بسيطة فإن إسرائيل تعتزم استقطاع 58 كيلو و400 متر من المساحة الإجمالية لقطاع غزة لتقلص مساحته إلى 307 كيلو مترات تقريبًا، وبالطبع سيتم ذلك بمباركة المجتمع الدولي الذي يرى أن الاحتلال فى حالة دفاع عن النفس وتأمينه ضرورة حتمية.
الاحتلال لن يكتفي بالمنطقة العازلة لخنق أهالي غزة، بل إنه أعلن منذ أيام عن تقسيم القطاع إلى شطرين عبر شق «ممر نتساريم» وهو طريق جديد يمتد من حدودها مع القطاع حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وذلك لمساعدة إسرائيل على إقامة ممر عملياتي مجهز يسمح بمرور القوات والمعدات اللوجستية.
الممر الذي أظهرته الأقمار الصناعية يمتد حوالي 6.5 كيلو متر وبعرض 300 متر، ويقسم غزة إلى قسمين، عازلًا شمالها عن جنوبها، وبينت شبكة سي إن إن الأمريكية أن جزءا من الطريق ويقدر بكيلو مترين كان موجودًا في السابق بينما الباقي جديد، وأنه يتكون من 3 مسارات، الأول للدبابات الثقيلة والمدرعات، والثاني للمركبات الخفيفة، والثالث للحركة السريعة، حيث يصبح بالإمكان القيادة على الممر للوصول إلى البحر المتوسط خلال 7 دقائق فقط.
باختصار.. ما يحدث في غزة يعني ببساطة أن إسرائيل تعتزم بناء منطقة عازلة عميقة في غزة، وسوف تبقى عليها بعد الحرب تحت سيطرتها العسكرية، الأمر الذي يهدد وحدة وسلامة القطاع ويزيد الضغوط على الأشقاء في الحرب والسلم، ويكرس نشاط الاحتلال الاستعمارى الصهيوني في هتك الأراضي الفلسطينية فى غياب الإرادة العربية.