ساعات تفصلنا عن عيد الفطر المبارك، ليأتي علينا هذا العام ليس كسابقة على الأمتين الإسلامية والعربية محمل بالشتات والتمزق والقهر، حيث تحول الوطن الأكبر إلى وهن وضعف وقلة حيلة وهوان، هانت علينا أنفسنا وضاعت النخوة، فهنا على العالم الذي لا يعرف إلا مبدأ القوة، فتكالبت علينا الأمم.
لم يشهد تاريخ المسلمين حالات ضعف مثل تلك التي نعيشها الآن، فقد شهدت الخلافة الإسلامية تحت مظلة الإسلام حقبا تاريخية تغطي معظم العصور الوسطية على مساحة جغرافية واسعة، تمتد من حدود الصين إلى غرب آسيا وشمال أفريقيا وصولا إلى الأندلس منذ تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على يد النبي المصطفى محمد -صل الله عليه وسلم- مرورا بالدولة الأموية في دمشق إلى الدولة العباسية ثم الفاطميين في مصر والأيوبيين والمماليك في الشام، ثم سيطرة الدولة العثمانية آخر الإمبراطوريات التي كانت تحكم باسم الإسلام.
وعقب انتهاء العهود الإسلامية انقض الغرب الاستعماري ليهيمن على العالم الإسلامي ويقسمه إلى دويلات متفرقة ومتناحرة، حتى وصلنا إلى ما لا يحمد عقباه.
وتاريخيا.. العالم الإسلامي مر بمرحلة كانت الأسوأ في أواخر الخلافة العباسية، حيث ظهر التتار بقيادة جنكيز خان، وفعل التتار ما لا يمكن وصفه مع المسلمين وبعدهم الصليبيون.
وما أشبه الليلة بالبارحة، لقد ضاق الحال على أمتنا كما حدث عند ظهور التتار، حيث أنقذ الله الأمة على يد العز بن عبد السلام، والقائد سيف الدين قطز، والآن وجب علينا التكتل والتوحد لنعيد للأمة شبابها من جديد.
بنظرة سريعة على حال أمتنا الآن، نكتشف الوضع المزري:
* غزة.. وصمة عار على جبين الأمة تواجه ما لا يتحمله بشر من حرب إبادة جماعية على يد جيش الاحتلال اليهودي على مدار ستة أشهر كاملة برا وبحرا وجوا، لترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي وفقا لآخر احصائية إلى أكثر من 33 ألف شهيد و76 ألف إصابة و7 آلاف مفقود تحت الأنقاض، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وتحويل القطاع إلى مكان لا يمكن العيش فيه، وإعلان إسرائيل عن عزمها الاجتياح البري لرفح إيذانا بتهجير أهلها وتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق الملف إلى الأبد.
* العراق.. مزقها الإرهاب بعدما دمرها الاحتلال الأمريكي، ودول محور الشر ونزعت خيراتها وفتتها الانقسامات السياسية والقومية والطائفية خلال الأعوام الماضية، فوهن جيشها وضعفت قواها بعدما كانت درع الأمة العربية.
* ليبيا.. حالت فيها الانقسامات دون اتفاق على حلول تنهي نزاع القادة على كرسي السلطة، واستشرى فيها الفساد بصورة غير مسبوقة، وباتت مرتعا للإرهاب وفشل الشعب في اختيار رئيس للبلاد منذ عام 2011 وحتى الآن.
* سوريا.. تئن منذ سنوات تحت وطأت الصراع الأمريكي الإيراني، وتتعرض لأزمات اقتصادية طاحنة وتدهور شديد في الوضعين الأمني والمعيشي مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر في ظل القصف العشوائي المستمر منذ سنوات باستخدام الذخائر المحرمة.
* السودان.. يعيش في كابوس مزعج من الحرب الأهلية التي دفعت الملايين للفرار إلى دول الجوار بحثا عن الأمان بعيدا عن جحيم الحرب التي لم تشهد مثلها البلاد منذ قرن من الزمان.
* لبنان.. أصبح رهينة أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2019، وساءت أحوال أهله المعيشية كما يتعرض الجنوب اللبناني لتهديدات إسرائيلية متواصلة تنذر بحرب مرتقبة حال توسيع اليهود لدائرة الصراع في المنطقة.
* اليمن.. ضاعت دولته العفية في ظل الصراعات الداخلية والحرب الشاملة التي تعرض لها لمدة 8 سنوات دمرت الوطن وأهدرت خيراته وحولته إلى مرتع للجماعات الإرهابية.
الوطن العربي كله أصبحت حدوده ملتهبة وقابلة للانفجار في أي وقت وتتهدده الأخطار من كل جانب وبتربص به المستعمرين الجدد، تتار العصر الحديث وما يحدث في باب المندب يستدعي اليقظة والانتباه.
باختصار.. عروبتنا في خطر وبأس شديد ينذر بكوارث وأزمات لا قبل لنا بها، وعلى الرغم من أن الوطن العربي يمتلك من الخيرات والعدة والعتاد ومقومات النهوض ما يجعله يسود العالم أجمع، إلا أن الفرقة وبحور الدماء كالبت علينا الأفاعي والحيتان في محاولات مستمرة لتنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد، في ظل التخاذل العربي الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من تشتت وضياع.
تبقى كلمة.. يأتي علينا عيد الفطر المبارك وقد ضاعت الضحكة، وغابت الابتسامة وينتابنا حالة من القلق والهلع في ظل تلك الفوضة الخلاقة التي تعصف بعالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، نظرا للأوضاع المتردية التي أصابت البلاد والعباد.