فلتعش صحافتنا حرة نزيهة.. عبارة كانت مصدر فخر واعتزاز وتقدير عبر الزمان، وعلى مدار التاريخ عُرفت الصحافة بأنها السلطة الرابعة، فقط لأن نفوذها كان يهدد الفساد والمفسدين، كانت كلمات تهز عرش كل من تسوّل له نفسه المساس بالحقوق أو التعدي على القوانين واختراقها، ليس تهديدا بقدر ما هو دور وطني يساند الدولة في الحفاظ على حقوق الوطن والشعب، لذا كانت صورة الصحفي ذات مهابة، فهو مصدر تشكيل الوعي والثقافة لدى الجمهور.
ولأن الصحافة مهنة موهبة واحتراف معا، دون أن يستغني عنصر عن الآخر، مع مرور الزمن، واختلاف العصر، وكأي تطور يشهده أي مجال، طال التطور التكنولوجي الصحافة أول ما طال، ونالت مساوئ التطور ما نالت من السلطة الرابعة الحرة النزيهة الشريفة، ودخل الدخلاء، ممن احترفوا التكنولوجيا الجديدة دون احتراف صناعة المحتوى، واحتلوا المفهوم احتلالا أشد فتكا من احتلال اسرائيل للأراضي المقدسة، وافتقدت حتى آليات المهنة قيمتها بسبب عدسات الهواتف المحمولة.
هذا الاحتلال الغاشم للصحافة لم يكتف بأن ينال من آليات المهنة وقيمتها وآليات عملها، بل راح يعطي هؤلاء المحتلين ميزة أكثر إضافة وتشويقا لمزيد من الاحتلال، ألا وهي ميزة تحقيق الأرباح من الصفحات والحسابات الإلكترونية، العدوى التي انتقلت إلى ضعاف النفوس من أصحاب المهنة، فوجهوا شبابهم بتحقيق الريتش والبحث عن اللقطة والصورة دون مراعاة أية أخلاقيات أو أداب للمهنة.
هذه الأمور جعلت ما يحدث يحدث، وما نراه الآن على الشاشة من تعديات على الصحفيين والمصوريين الصحفيين نراه كأنه شيء معتاد، أو أضعف الإيمان نستسلم بأنه حق للمعتدي، لأن ببساطة لم يحافظ هؤلاء على هيبتهم كصحفيين أو هيبة مهنتنا العريقة، لقد أعطوا مفتاحا وتبريرا للمساس بصاحبة الجلالة، ووقفنا مكتوفي الأيدي دون أن نقدر أن ندافع عن أنفسنا.
هذا ليس تبريرا لما يحدث في العزاءات والمناسبات كما حدث مؤخرا في جنازة الراحل الكبير صلاح السعدني من نجله أحمد، رغم أننا نقدر حالته، وما كان فيه، ولا نرضى بالتأكيد بما بدر منه وكذلك مما بدر من هم صحفيين إما تحت التمرين أو يعملون في صحف ومواقع تعتمد على الريتش وتحقيق الأرباح، وبالتالي المصور أو الصحفي مجبور على تنفيذ تعليمات قائده، الجميع ليس بريئا في الحقيقة، أيضا ليس مقبولا من نقيب المهن التمثيلية ما صدر عنه من بيان مسيئ لصاحبة الجلالة.
الجميع ليس بريئا، والخلاصة أن هذه الصورة الحقيقية، يأن الجميع فقد الالتزام بمعايير المبادئ والأداب العامة وأخلاقيات المهنة، والإنسانيات في المقام الأول، واحترام الآخر في كل حال، لذا اعتقد أننا بحاجة إلى نقطة نظام سريعة جدا، لتستعيد مهمتنا هيبتها ووقارها بضوابط صارمة وحازمة وحاسمة وملزمة للجميع، حتى تكون صحافتنا حرة نزيهة.
محمد عيد يكتب: فلتعش صحافتنا حرة نزيهة (2)
القاهرة – 5 ديسمبر 2021
استمرارًا لمسلسل الكذب الذي كذبته من قبل في 30 يناير 2017 بعنوان “فلتعش صحافتنا حرة – نزيهة – بخير”، الذي تحدثت فيه عن مهنتنا العريقة وما تتمتع به من صدق في تداول المعلومات ونشر الأخبار واحترام لميثاق الشرف المهني والأدبي والأخلاقي، استأنف اليوم حلقة جديدة من حلقات هذا الكذب.
الحقيقة إن صحافتنا التي لا تعيش “حرة – نزيهة – بخير”، لم تتجاوز فقط أدبيات وأخلاقيات المهنة، ولكنها أصبحت إحدى آلات صناعة الكذب نفسه، وأداة من أدوات صناعة المثقفين وأصحاب الفكر والرؤى وصفوة المجتمع، ورغم أن محاولة خلق مبررات لهذا الفعل هو أمر مرفوض لكنها الحقيقة وللأسف، فالأوضاع المتردية للمهنة وللصحفيين والإعلاميين هي إحدى الأسباب، حتى ما لم تصبه هذه الظروف والأوضاع شارك أيضًا في هذا الجُرم القبيح.
ولأنني اعتبر نفسي أيضًا مشاركًا فيه، دعونا نوضح أولًا أن هناك فارق كبير جدًا بين المستشار الإعلامي وبين صانع الفكر والثقافة والرؤية المزيفة، فالمستشار الإعلامي دوره وعلى قدر ما أفهم أن يوجه المؤسسة أو الشخص إلى الطريق والسبيل الصحيح والشكل السليم لبيان رؤياه بشكل إعلامي يليق به ولا يخرق أصول وقوانين المهنة وبصورة تحترم الجمهور المستقبل وتجذبه بالتأكيد.
أما صانع الإجرام أمثالنا، فهم من يأتون بأشخاص لا يمتلكون رؤى ولا فكر ولا تعرف عقولهم وأيديهم سوى لغة المال، ونصدرهم للرأي العام على أنهم هؤلاء النخبة وصفوة المجتمع من المفكرين والمثقفين والملهمين، فبالله عليكم كيف لشخص لا يعرف أن ينطق اسمه أحيانًا، وحتى لا نكون جناة، فقد يعرف اسمه ويمتلك المال والملابس الشيك وقادر على التواصل مع بعض الشخصيات لكنه لا يعرف معنى كلمة قانون مثلًا أو لا يعرف تعريف واحد للسياسة ولا يدري ما دور مجلس النواب ولا مجلس الشيوخ وما الفارق بينهما، وهل نحن دولة جمهورية أم دولة مملكة أم خلافة.
الحقيقة أن المصدر لا يدري سوى أن هذا صحفي يستطيع أن يكتب له بعض الكلمات تجعل منه نابغة عصره ويفهم في كل المجالات المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى سياحية، فيغمزه بـ “بوكت ماني”، ويتم توزيع كلماته على بعض الصحف الصديقة ويصبح مصدرًا قويًا توزع بياناته المناسبة للحدث أيًا كان ويتم نشرها ومن ثم يكون الأجدر بمناصب تحتاج إلى عقل رشيد.
للأسف ولأن هذا هو الوضع الآن، بأن غالبية الصحفيين يعملون بهذه الطريقة لسداد احتياجاتهم اليومية بعدما تردت الأوضاع المادية والحياتية لهم، وأنا بالطبع لا أبرر ذلك، لكن فقط أردت بيان الحقيقة لكم حتى لا تنخدعوا.
وإنني لأرى في بعض هؤلاء الزملاء أنهم الأحق والأجدر من هؤلاء في بعض المواقع التي وصل إليها من يفعلون لهم ذلك، لأنهم هم الذين وضعوا لهم الفكر والرؤى والثقافة التي جعلت منهم مؤهلين للجلوس في أماكنهم الآن، وهو أمر يصعب على النفس تقبله بسهولة، ورغم إيماني بأن الله قدر لكل منا نصيبه، فوالله ليس بهين أن تكون آلتك التي صنّعتها ولمّعتها هي التي تحتل مكان أنت الأجدر والأحق به.
ومرة أخرى وليس بأخيرة.. ما أتمناه هو أن تعيش صحافتنا حرة.. شاهرة أقلامها بالحق.. تدافع عن الحق.. وتدعو لقيام دولة الحق.. لها مكانتها وقيمتها وقدرها من الاحترام والتقدير..
محمد عيد يكتب: فلتعش صحافتنا حرة نزيهة (1)
القاهرة – يناير 2017
الصحافة المصرية بخير والحمد لله. فهي صحافة نزيهة غير مأجورة .. وطنية .. تتمتع بقدر كبير من الالتزام المهني .. وقد تقع بعض التجاوزات .. ولكن صدور المزيد من القوانين المقيدة لحريتها هو أسوأ الحلو .. الحل هو أن نثق في وعي الجمهور الذي يعرف كيف يفرق بين الغث والسمين الحل أن نثق في وعي المؤسسات الصحفية في رقابتها الذاتية على ما ننشر .. فالتفكير في إصدار أي قانون يقيد من حرية الصحافة سوف يساء استغلاله، ويساء تفسيره
هذا الكذب والهراء الذي أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يسامحني عليه، فقط يُمكن قوله فقط أثناء جلسات الحوار الإعلامي، أو المخابراتي، أو أثناء اللقاءات والتصريحات الهاتفية والمباشرة عبر الشاشات وأوراق الصحف، لنصل إلى الأمان المرجو، والأمن المباح، ولكن الحقيقة والواقع غير ذلك، ففي مصر خاصة والوطن العربي عامة، تثار قضايا الحرية، دون التفرقة بين الحدود والحرمات الشخصية، ودون الوعي بأن صانعي القانون، قد وضعوه ليكونوا هم أول من يغتصبوه، أو يكون أو نصير لهم في مواقفهم.
فمثلاً .. مؤخراً انتشرت الخلافات حول مدى أحقية نشر التسريبات إعلامياً، ومدى صلاحيتها تجاه المواطن والعائد النافع من ورائها، على حد وصف الناشر، دون أن يُخبر أحداً لماذا صمت كل هذه الفترة السابقة عن هذه الشخصية، وإن كنت أرى أن من يفعل ذلك في وقتنا هذا في القرن الـ 21 ، بالتأكيد أن ذلك لون من ألوان تخليص وتصفية الحسابات الشخصية بين الكبار في الدولة.
فالجميع غفل عن بعض الثوابت التي أقرت حرية الصحافة مع التأكيد على حرية الحياة الخاصة، والتنبيه على أن الاعتداء عليها يشكل جريمة لا تسقط بالتقادم، هذا بالإضافة إلى الأحكام والتقاليد المهنية الأصيلة الراسخة التي من المفترض أن تسيير وتسيطر على المؤسسات الصحفية القومية والحزبية.
فمن المعروف عبر التاريخ، أن الصحافة المصرية، حمت استقلال هذا البلد الأمين وروجت للنهضة المصرية.. وهي التي تصدت لكل قضايا التحرر الوطني، وقضايا العدل الاجتماعي وقضايا الوحدة الوطنية، وقضايا القومية العربية.
ورغم تلك الزوبعة في مجموعها، لا تتلصص علي حياة الناس الخاصة وهي – في معظمها – تحفظ حياة المشاهير، يكون أحياناً هلامياً. كالخيط الفاصل بين نهاية الليل ومطلع الفجر .
إن نشر الصحفي لواقعة لأي مسئول عامل ضد الصالح العام، وثبت صحة عمله، ووضعته في وضع المستغل لوظيفته في قضاء تلك الأمور، يوقعه تحت طائلة القانون، على أن يكون قصد الصحفي تدوير الرأي العام وتوجيه النظر إلى ما يتعرض له الصالح العام من خطر على يد شاكلة هذا المذكور، يلزم الأدلة والمستندات، لوضعها أمام الرأي العام …
هذا يعني أنه وجوباً حسن النية وعدم قصد الإساءة لهذا المسئول، وإلزاماً أن يكون المستند والدليل ليس مصطنعاً، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تكون هناك حرمات لخصوصيات الناس .. أيا كان هؤلاء الناس مغمورين أو مشهورين.. وألا يكون للصحافة الحرية المطلقة في المساس بخصوصيات الناس .. إلا في حدود المساحة الضيقة التي تتيح تعقب الفساد وحماية الصالح العام من انحرافات السلطة.
إن الاطمئنان إلى صحة الأخبار التي تنشر، لاشك أنها تعود إلى واجب الصحفي، الذي يُحاول أن يسلك كل السبل التي تجعله هو ذاته مطمئناً إلى ذلك، وهذا لا يمنع من الإشارة إلى أنه رغم أن القانون أعطى الصحفي الحق في الحصول على الخبر، إلا أنه مازال يعاني الحصول على المعلومة أو التأكد منها، مما
يضطره إلى سلك الطرق غير المشروعة أو التلاعب في صحة وصدق وموضوعية المعلومة المقدمة في الخبر الصحفي … فكيف تسائل صحفياً، انسدت أمامه أبواب المسئولين ليتحقق من صحة خبر حصل عليه ويعتزم نشره .. إننا كصحفيين نريد مجتمعاً تتحرك في المعلومات، بعد أن أصبحنا في عالم سقطت في الجدران والحواجز وسادت فيه السماوات المفتوحة…
أمر آخر ذات أهمية، هو أن تجاوزات الصحافة القليلة أقل خطراً من الحرمان من صحافة حرة تنطق بلسان مختلف في وجهات النظر .. يطارد الانحراف في كافة مواقعه، فحرية الصحافة ستقضي بإلزام نشر المعلومة الصحيحة دون التلاعب بها، أو تدويرها حسب الهوى الشخصي، أو خلق قصة مصطنعة شيقة للجمهور من خلف تلك المعلومة الضعيفة.
وما أتمناه هو أن تعش صحافتنا حرة نزيهة .. شاهرة أقلامها بالحق … تدافع عن الحق .. وتدعو لقيام دولة الحق.