الظلم واحدة من أشد المهلكات على وجه الأرض، ليس فقط لصاحبها، بل والمظلوم في حقه أيضًا يكون في مهلكه قهرًا، فـ الظلم غمة وغصة، لكن متى أصبح حقًا؟.. وكيف؟.
تقول زوجتي العزيز في سمر من إحدى سمراواتنا، بالإشارة إلى كيف أصبح الناس هكذا، يطلبون ما هو لهم وما ليس لهم، ويجورون على حقوق الآخرين ويأكلونها عيانا بيانا، ثم تجدهم إما هاربين أو واقفين مبحلقين بكل بجاحة وبكاسة يتعاملون على أنه حق أصيل من حقوقهم، وهذا خطأ بالتأكيد، مستغلين أخلاق من هو أمامهم وضعفه في فرض أسلوب الإحراج الذي يتمتع به، أو فشله في أن يكون مثلهم يتعامل ببجاحة وبكاسة، قائلة: هم دول اللي بيعرفوا ياخدوا حقهم من الدنيا!!.
استوقفتني كلمات زوجتي، لأسأل: متى أصبح الظلم والجور والبجاحة والبكاسة حق؟!.. وكيف هذا؟، متى تحول العشم فرض عين دون النظر لأية اعتبارات قد تكون خارجة عن الإرادة أو زائدة في الحمل؟، هل يجب أن أكون مكشوف الوجه وتعتدي على حقوق الآخرين، واستغل فرطهم في العطاء نحوي، وأجور على حقوقهم وأسلبها وأنهبها تحت مسمى الجُرأة الكاذبة؟، كيف يا زوجتي أصبحت الطيبة (عيبة)، فهذه صفات محمودة، وتلك التي يتعامل بها هؤلاء مذمومة، كيف انقلبت الآية؟، كيف أصبح الحديث عن طلب الحق (جريمة) لا تغتفر لصاحبها؟.
إن هؤلاء بالتأكيد، على بصرهم غشواة، وقلوبهم مطموسة في الوحل، لا تلين ولا تعرف صفات الرحمن الرحيم، ولا طبائع النبي الأمين، كانوا سببا في أن يجور على مجتمعاتنا ويغلب عليها الظلم والجور والتسلط والاستبداد، تسببوا في أن يموت الكثير قهرا وبطئا فهلكت الأرواح كما سيهلكون هم بظلمهم وجورهم وبكاستهم وجحودهم وبجاحتهم، فالله عز وجل يسوق الظالمين إلى هلاكهم جزاء ظلمهم، فلا مصلحة تبيح الظلم، ولا ضرورة مهما عظمت ترخص في البجاحة البكاسة، وإن كانت تلك الضرورة تقف عليها الحياة تحت أي مسمى.
إن سنة في الظالمين ثابتة لا تتغير ولا تتخلف، سواء كان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، وسواء كان ظلمهم لمجرد العبث وكأنهم يستلذون بإبقاء الخلق تحت رحمتهم أو استغلالا لكرمهم في العطاء وجودهم في الصمت خجلا وحياء وطيبة خوفا من أن يكون ردهم نوعا من أنواع الأذى النفسي، في حين يستغل الآخرون هذا ليتمادوا في مسيرتهم – والتي ينطبق عليها القول: (الفرط في العطاء، يعلم البجاحة)، حينها إن طلب صاحب الحق حقه سيكون في نظر هؤلاء جشعا طماعا غير مرغوب فيه، مذموما في أخلاقه.
في النهاية.. (استقيموا.. فقد خاب من حمل ظلما، واتقوا الله فالظلم ظلمات يوم القيامة، ولا تأذوا الناس في حقوقهم وفي أنفسهم، وتجنبوا البجاحة والبكاسة، ولا تجوروا على أحد، فالحق أحق أن يُتبع).