تخفيف الأحمال فكرة لا بأس بها خاصة عندما تكون مدروسة وفق قواعد وأسس ولمدة محددة، ويتم اللجوء إليها عندما تفشل كل الحلول الأخرى في حل المشكلة، وتتحمل الدولة مسؤوليتها في تعويض المتضررين بصورة عادلة.
وعندما لجأت الحكومة إلى تخفيف أحمال الكهرباء خلال ساعات اليوم ولم ينجح التخفيف في مرحلته الأولى، اضطرت للتشديد عبر المرحلة الثانية من خلال الإعلان عن إغلاق المحلات في العاشرة مساء ابتداء من غد الإثنين.
ورغم الملاحظات والاعتراضات على غلق المحال في هذا التوقيت المبكر عقب صلاة العشاء تقريبًا وما يحدثه من خسارة لأصحاب المحلات والعاملين ويؤثر في حركة البيع والشراء، فإن الدولة لجأت إليه كأحد الحلول السريعة لمواجهة الأزمة عن طريق المزيد من المسكنات الغير مدروسة وبالطبع تكون النتائج غير مرضية.
والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تلجأ الدولة لتخفيف أحمال اللاجئين؟ هذا السؤال الهام لا يطرح من باب «العنترية» ولا قلة الأصل، ولكن من باب حماية الجبهة الداخلية صاحبة الحق الأصيل في الحياة الكريمة.
مصر التي تتحمل بشجاعة مسؤوليتها التاريخية ودورها نحو الأشقاء تجاه ما يحدث من صراعات وحروب في المنطقة منذ سنوات، فتحت حدودها على مصرعيها لاستقبال الأشقاء الذين زاد عددهم عن الـ10 ملايين لاجئ على أقل التقديرات.
وكانت الأمور تسير بصورة طبيعية، ولم يشكل الأشقاء من سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها أية مشاكل، إلى أن تفجرت الصراعات في السودان واشتعلت الحرب الأهلية، ليتدفق الملايين للقاهرة، محدثين بعد فترة العديد من القلاقل والأزمات والنعرات والأزمات الاقتصادية وارتفاع الإيجارات والعديد من السلع، بخلاف التأثيرات السلبية على الجبهة الداخلية والمرافق والخدمات.
وبالطبع من بينها الكهرباء التي ناءت بأحمالها، فبدأ الظلام يعرف طريقه في تلك الموجة العاتية من الحر نهارًا ويحول ليلها الذهبي إلى ظلام معتم من شارع لآخر، والمطلوب منا أن نتحمل المزيد من الأعباء في ظل تدفق اللاجئين ولا ندري ما تحمله لنا الأيام المقبلة، خاصة في ظل توسيع إسرائيل لبؤر الصراع في المنطقة.
باختصار.. تخفيف أحمال اللاجئين ضرورة مُلحة ووضع الضوابط العاجلة لها ضرورة أكثر إلحاحًا، وفكرة تمركز اللاجئين في القاهرة الكبرى بعدد يقارب نصف سكانها تقريبًا، أمر كارثي، فلنا أن نتخيل إذا رفعنا عن كاهل العاصمة نصف أعباءها، فسوف تختفي غالبية مشاكلها وأزمة مساكنها، ولن نحتاج إلى تخفيف أحمال الكهرباء ولن تئن البنية التحتية من أثقالها، وسوف تجد العديد من السلع والمنتجات طريقها إلى خفض الأسعار لتكون في متناول الجميع.
وتبقى الأسئلة الحائرة لماذا يتمركز غالبية الأشقاء الضيوف في القاهرة الكبرى؟ ولماذا لا يتم توزيعهم على محافظات مصر المختلفة؟ ذلك التزاحم يؤثر بصورة سلبية على التركيبة السكانية وربما تفاقمت أثاره السلبية خلال السنوات القادمة.
نحن لانغلق أبوابنا في وجه أحد، لكن أهل السودان أنفسهم لديهم حكمة خالدة تقول «يا غريب كن أديب»، ولابد أن هناك آليات وضوابط على الدولة اتخاذها حماية للجبهة الداخلية وتخفيفًا عن كاهل المواطنين والوطن في آن واحد.. حمى الله مصر ووطننا العربي وأهلنا وأشقائنا من كل شر.