يقول ابن رشد: “إن كنت تعتقد أن كل ما تؤمن به فوق مستوى النقد، فاعلم أن إيمانك دون مستوى الفكر، فالفكر قائم على قداسة المنطق وليس منطق القداسة”.
في اعتقادي أن هذه العبارة لا تنطبق فقط على الإيمان، لكنها تلمس أيضا الممارسات والسلوكيات والمعاملات الإنسانية أو المعاملات بوجه عام، سواء كانت خاصة أو عامة، شخصية أو تلمس الجانب العام في الشارع والعمل والممارسات عموما، والتي من المفترض أن تتحلى بالإيمان كونه السبيل الأمثل لمفهوم السوية الشامل، أن تكون شخصا سويا متزنا.
أنا لا أتفهم أن شخص ما يعتقد أن رأيه الوحيد هو الأصوب على الإطلاق، ولا يريد أن يكشف عن أذانه ليسمع وجهة نظر الآخرين، ولا يخلع حتى الغمامة السوداء عن عينه وبصره وعقله وتفكيره وتدبره وجوارحه ليتفهم ويعي وجهات النظر الأخرى، أن يدرك جيدا أن شيطانه يتملك به حتى يصل إلى حد أنه لا يصدق إلا وساوسه وجنون العظمة الذي يتحكم فيه، والذي قاده إلى الظلم يمارسه ويتلذذ ويستمتع بممارسته.
إنني لا أستطيع أن أتخيل أن شخص ما قد يخلد إلى وسادته وهو غارق في كل هذا السواد، ولا يضيق صدره، بينما هناك من يؤمن بأن كُل مَن تورطوا في حزنه سيُضيق الله صدورهم، ويُسخر لهم من يُؤذي قلوبهم، ولو بعد حين.
لكني قد أتفهم حقا بأن ما يشهده العالم الآن من هذا الكم الهائل من الغوغائية والضجيج المظلم والتوتر والقلق، هو غضب إلهي لمن غابت عنهم عقيدتهم التي تحس على التفكير النقدي السليم حتى يفيقوا من ثباتهم العميق، ويعلموا أن الحساب ينتظر الجميع، والعدل حتما سيكون المنتصر، ليعلم الجميع أن الصور الزائفة من الوجاهة والمناصب والعلم الزائف أخطر بكثير من أي خطر كان، لأنها من سحر الشيطان.
وختاما، لا أجد أفضل من شعور أنك لم تظلم، ولم تخذل، ولم تأكل الحق بالباطل، لا أجد أفضل من الفاهم العاقل المتفهم أنه ليس إلهًا فوق النقد والانتقاد، الذي يرى أن حتى جرائمه فوق كل الشبهات وفوق كل النقد، وإذ كنت تفترض جدلا أن من ينتقدك أو ينتقد سلوكك هو عدو لك على طول الخط، فخير لك أن يكون لك عدّو صالح، أن يكون لك صديقُ فاسِد؛ لأن العدو الصالح يحجزهُ إيمانه أن يؤذيك أو ينالك بما تكره والصديق الفاسد لا يبالي ما نال منك.