قدرنا مع إسرائيل ينطبق عليه مثل «الجار السوء» الذي لا تطيب حياتك بوجوده، ولا تنتهي مشاكلك معه بسبب جرائمه الموالية.
ولعل الصبر عليه لا يتفق أبدا مع الجزء الثاني من المثل «يا يرحل يا تجيله له داهيه»، ذلك لأن رحيله بعدما تحول إلى بؤرة سرطانية في جسد الوطن العربي بات أمرا مستحيلا، بعدما استشرى ووصل من الفساد والطغيان ما فاق فرعون موسى ومن أعماله الدموية ما تجاوز مصاصي الدماء والنازية.
الأمة العربية والإسلامية عاشت عصورها الذهبية والتنموية والتحريرية قبل هذا النبت الشيطاني الذي زرع في المنطقة، نتيجة لوعد بلفور المشؤوم، ووصل إلى هولوكوست العصر الحديث وبدأ تنفيذ أعماله الإجرامية الاستعمارية وتنفيذ مخططه ببناء دولته المزعومة من المحيط إلى الخليج.
الحلم الصهيوني الذي تعاملنا معه على أنه مزحة كبيرة لا يمكن أن يحققها شعب تجمع من الشتات تعداده ملايين معدودة زرع في قلب الوطن العربي الذي وصل قوامه الآن لأكثر من 485 مليون نسمة، واعتمدنا على الشعارات الرنانة والحنجورية وأغاني الحلم العربي وقدرتنا على دفن إسرائيل ومن ورائها في البحر وغيرها من الشعارات ولم نحصد سوى الندامة.
خلال الفترة من عام 48 19 وحتى الآن دفعت مصر الثمن غاليا لعدة أسباب أولها تبنيها التام للقضية الفلسطينية والدفاع عن الأشقاء وثانيها قدرها كونها الشقيقة الكبرى ورمانة ميزان المنطقة، وبالتالي خاضت العديد من الحروب مع دولة الاحتلال فقدت خلالها خيرة شبابها ومقدرات شعبها.
وما زالت مصر وستظل حامي حمى العروبة والمدافع الأول ضد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، وما زالت المعارك مستمرة في الحرب والسلام.
جهود مصر لم تتوقف منذ طوفان الاقصى الذي انطلق في السابع من أكتوبر الماضي دفاعا عن الأشقاء وضد عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وضد تهجير أبنائه والتي يهدف الاحتلال من خلالها إلى القضاء على القضية الفلسطينية ليجرنا جار السوء الصهيوني إلى معركة جديدة بعد سيطرته على محور فيلادلفيا في خرق واضح لمعاهدة السلام بين البلدين، وفي محاولة بائسة لفتح بؤر جديدة للصراع في المنطقة بعد توغله في الضفة الغربية وضربه المتواصل للجنوب اللبناني.
العدو الصهيوني الممثل الشرعي لجار الندامة لم يكتف بأعماله الإجرامية شمالا بل توغل في قلب القارة السمراء ليكمل مخططاته الاستعمارية عبر تشتيت الأمة والتأثير على مقدرات مصر، وظهرت بصماته الإجرامية في العديد من دول الجوار وأخيرا توجه إلى الجنوب وقرر الدخول إلى أدغال أفريقيا.
بداية فإن دولة الاحتلال لم ولن تكون يوما دولة صديقة، فهي لا تحترم المواثيق ولا القوانين الدولية ولا حتى معاهدات السلام فمخطئ من يظن أن الذئب له دين!
تصريحات نتنياهو العدائية مؤخرا أن مصر هربت السلاح إلى حماس لتقويض قوة إسرائيل طوال حكم الرئيس مبارك والرئيس مرسى، بالسلاح في إشارة إلى مسؤوليتها عما آلت إليه الأوضاع يكشف مدى العداء الكامل في قلب الذئب الصهيوني تجاه القاهرة ويؤصل فكرة الصراع الأبدي نحو مصر رغم اتفاقية السلام.
التمدد الإسرائيلي في أفريقيا له جذور تاريخية منذ حادث عنتبلي عام 1975 عندما تم اختطاف طائرة فرنسية كان من بين ركابها يهود وإسرائيليين فأرسلت إسرائيل قوات خاصة لأوغندا لتحرير رعاياها، ومنذ تلك اللحظة بدأت في وضع أقدامها في هذه المنطقة، كما بدأت في عمل علاقات مع دول أفريقية بعد نجاح العملية وذلك عبر إرسالها مجموعة من ضباطها المتقاعدين للعمل كمدربين عسكريين لتكون هذه بداية نقطة الارتكاز الإسرائيلي في دول أفريقيا ومن بينها إثيوبيا.
إسرائيل استغلت امكانياتها العسكرية في تدريب الجيوش البدائية في تلك الدول وبعد أحداث 11 سبتمبر أسست شركات أمنية ضخمة وبدأت في تقديم خدماتها المجانية لتلك الدول التي تعاني من الانقسام والقبلية في توجه تدريجي لرفع العداء داخل هذه الدول تجاه مصر العدو الأول الراسخ في كيان الاحتلال.
إسرائيل تساعد 12 دولة أفريقية وتتعاون معها عسكريا، وتقوم بتدريب الطيارين الإثيوبيين وتطوير مهاراتهم القتالية وغيرها الكثير من أدوات الدعم اللوجستي، ومنها عمليات تأمين سد النهضة.
إسرائيل لا تفعل ذلك اعتباطا وإنما من باب الضغط على مصر لتقويض دورها الإستراتيجي في المنطقة، وجاء الرد المصري واضحا للضغط على إثيوبيا ومن خلفها إسرائيل بتوطيد العلاقات المصرية مع العديد من الدول الأفريقية وآخرها التعاون العسكري مع الصومال عبر إرسال قوات للدولة الملتهبة في رسالة واضحة للذئب اليهودي، وبعد الصومال عقدت القاهرة اتفاقا عسكريا آخر مع نيجيريا وبدأت مصر تتوغل في أفريقيا عبر علاقات مماثلة مع إريتريا وكينيا وغيرها.
باختصار.. إسرائيل العدو الأول للمسلمين والعرب رسخت علاقتها داخل القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة التي شهدت زحفا كبيرا في العمق الأفريقي، الأمر الذي دفع مصر لتعزيز تواجدها بكل السبل في معركة شرسة يقف خلفها الجار الصهيوني والتي قد تمتد إلى فترات طويلة وتتخذ أكثر من مسار للصراع الأبدي العربي الإسرائيلي ضد العدو الماكر الذي زرع بليل في المنطقة، بهدف تفتيت وحداتها وضياع مقدراتها والسيطرة عليها.
تحيا مصر التي حملت على عاتقها قضايا الأمتين العربية والإسلامية وليذهب جار السوء إلى الجحيم.