في كل استحقاق انتخابي يتجدد الجدل في مصر حول النظام الأمثل لانتخابات المجالس النيابية، هل هو نظام الفردي الذي يعتمد على انتخاب المرشح بصفته الشخصية؟، أم نظام القائمة النسبية الذي يقوم على التمثيل الحزبي بحسب نسبة الأصوات؟….
الإجابة ليست نظرية فقط، بل تعتمد على الهدف السياسي من العملية الانتخابية ؛ هل نريد تمثيلا ً عادلا ً يعكس تنوع المجتمع ؟، أم نبحث عن برلمان مستقر وسهل الإدارة؟.
إذا نظرنا إلى نظام الانتخاب الفردي ، سنجد أنه يميل إلى تعزيز العلاقات الشخصية والنفوذ المحلي ، حيث يصوّت المواطن للمرشح باعتباره “الخدوم” أو “ابن البلد” .. لا لكونه يحمل مشروعا ً سياسيا ً . هذا النظام قد يُنتج نوابا ً أقوياء محليا ً ، لكنه يُضعف التمثيل السياسي الحقيقي ويقلل من فرص الأحزاب والتيارات الفكرية في التعبير عن نفسها داخل البرلمان .. كما أنه يفتح المجال لاستخدام المال السياسي والعصبيات .
في المقابل ؛ فإن نظام القائمة النسبية ، خاصة ً إذا طُبّق بشكل كامل ، يضمن تمثيلا ً أكثر عدالة وتنوعا ً حيث يتم توزيع المقاعد بحسب نسب التصويت التي حصلت عليها القوائم ، مما يمنح فرصة للأحزاب الصغيرة والتيارات المهمشة ، ويعزز من وجود النساء والشباب في البرلمان .. هذا النظام يساعد أيضًا على بناء حياة سياسية حقيقية ، ويجبر الأحزاب على العمل المؤسسي وطرح برامج قابلة للتنفيذ .
لكن يظل التطبيق الفعلي لنظام القائمة النسبية في مصر يواجه تحديات واقعية ، أبرزها أن بعض الأحزاب لا تلتزم بالمعايير المهنية أو الكفاءة في اختيار مرشحيها داخل القوائم ، بل تعتمد في كثير من الأحيان على من يملكون قدرة مالية عالية ويقدمون “تبرعات” بملايين الجنيهات مقابل إدراج أسمائهم .. وهذا يُفرغ النظام من مضمونه ، ويحوّله من أداة لتحقيق التمثيل السياسي والتنوع ، إلى وسيلة لتوزيع المنافع داخل دوائر مغلقة . الأمر الذي يكرّس منطق “المال مقابل الترشح”، ويُقصي الكفاءات التي لا تملك المال ، مما يُضعف الأداء البرلماني لاحقًا.
الحل لا يكمن في إلغاء النظام ، بل في إصلاح البيئة الحزبية ذاتها عبر قوانين صارمة تُنظّم التمويل الحزبي ، وتُشرف بشفافية على اختيار المرشحين ، مع تفعيل دور الأجهزة الرقابية والمجتمع المدني لضمان أن يكون التمثيل قائما ً على الجدارة ، لا على الشيكات .
في النهاية ، لا توجد أنظمة انتخابية مثالية ، لكن السؤال الحقيقي هو :
ما الذي نريده من البرلمان ؟ إذا كنا نطمح إلى تمثيل يُعبّر عن كل فئات المجتمع ، ويمنح مساحة للأفكار والبرامج والسياسات .. فلا مفر من تبنّي نظام القائمة النسبية الكاملة ، مع إدخال ضمانات حقيقية تمنع تحوّله إلى “بازار مالي” يُقصي الكفاءات ويمنح التذاكر لمن يملك الدفع !
مصر لا تحتاج فقط إلى برلمان يُنتخب.. بل إلى برلمان يُمثّل.