أتابع تطورات الإقليم المشتعل وفي القلب مصر انظر الي الشواهد والمعطيات ويطمئن العقل الي وجود مصر تمضي التفاعلات وتأتي الإجابة.. ( إنها مصر ) .
ولكن لماذا ؟ .. هل هو انحياز تلقائي لوطني ام نسق معرفي حقيقي لتحليل جاد ؟ واقع الأمر أن الإجابة التي سكنت الروح والفهم جمعت بينهما .
مصر وهي الدولة الكبرى في منطقة لا تعرف الاستقراروتعيش على وقع التحولات الحادة والصراعات المستمرة نجحت في أن تكون نموذجًا فريدًا في قدرتها على تحقيق اتزان استراتيجي يعكس فهماً عميقاً لتوازنات القوى، وحسن إدارة لمصادر القوة والمرونة معاً.
وسط فوضى إقليمية مشتعلة — من سوريا إلى ليبيا، ومن السودان إلى العراق، ومن الشام إلى إيران — لم تسقط مصر في فخ الاصطفاف الأعمى، ولم تنجر إلى مواجهات عبثية، بل اختارت أن ترسم لنفسها مسارًا مستقلاً، واقعيًا، محسوبًا.
اكتب هذة التقديرات بعد تحرري من قيد المناصب المهنية وصراعات العمل التقليدية -تلك القيود والصراعات التي وضعتها بعيداً عني احتراماً لنفسي – ومن ثم ما اكتبه هو خلاصة قناعتي الشخصية والفكرية وأنا انظر الي القدرة المصرية امام طوفان الفوضى .. وفي تقديري ان لهذا الأمر محددات بأبعاد واضحة وهي :
اولاً: الرئيس السيسي
——
رؤية تتجاوز اللحظة في قلب هذا التوازن، تقف شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي كعامل حاسم في بناء استراتيجية مصر بخلفيته العسكرية واطلاعه العميق على تركيبة الإقليم..استطاع أن يتحرك بثبات في أكثر اللحظات اضطرابًا.
السيسي لا يدير معركة لحظية ابداً بل يُؤسس لبنية صلبة للدولة المصرية في مواجهة أزمنة الفوضى وهذا مالم يستطع عليه صبرا معظم النخب المصرية.
قراءته للمخاطر تمتاز بعمق زمني طويل..حيث لا تُبنى القرارات كرد فعل..بل كجزء من خريطة شاملة تأخذ في الاعتبار محددات مؤثرة او حاسمه للأمن القومي المصري ( مستقبل المياه/ الطاقة/ الحدود/ السيادة /الهوية الوطنية)
لم يكن قراره بإنشاء قواعد عسكرية على أطراف البلاد، أو تدشين أسطول بحري قوي أو حتى إعادة رسم الاقتصاد ، قرارات شكلية. بل كانت إجابات مبكرة على أسئلة قادمة. وهذه هي السياسة بمفهومها الأعلى: استباق الزمن لا الانحناء له.
ثانياً: السياسة الخارجية
——-
نجحت مصر في بناء شبكة علاقات خارجية متوازنة ( مرونة بغير انكسار)
فهي حليف استراتيجي لدول الخليج وشريك موثوق للولايات المتحدة، وصديق متجدد لروسيا والصين. لم ترهن قرارها لطرف واحد، بل مارست نوعاً من الحياد الإيجابي، وراكمت رصيداً دبلوماسياً قوياً كوسيط موثوق في الملفات الساخنة: من غزة إلى ليبيا، ومن السودان إلى شرق المتوسط.
ثالثا : القوات المسلحة المصرية
———
( الحمد لله على نعمة جيش مصر ) ألم يرددها كل مصري يومياً عشرات المرات وهو يتابع كل مايجرى من حوله رغم قسوة الحياة اليومية.. ولكن هنا ننظر الي الجيش المصري في هذا التحليل انه نجح في ان يكون قلب المعادلة الاستراتيجية لمصر ليس كأداة اعتداء أو استعراض .. بل كعمود فقري للأمن القومي بمختلف أبعاده .
التحديثات غير المسبوقة في التسليح والتدريب وتوسيع القدرات البحرية والجوية لم تكن استعراضاً للقوة بل رسالة ردع ذكية “لسنا دعاة حرب، لكننا جاهزون لها” وفي طيات هذا المعنى اجابة عن سؤال غبي وهو لماذا نشتري كل هذا السلاح ؟
رابعاً: الداخل المستقر نسبيًا
———
صحيح أن التحديات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية قائمة وتجاهلها نفاق وطني لكن مصر تجنبت انهيارات الدول التي فقدت السيطرة على جبهتها الداخلية ..المؤسسات أُعيد بناؤها بعد سنوات من التآكل، والمشاريع القومية الكبرى — رغم ما يُثار حولها — منحت المواطن شعورًا بأن الدولة تعمل، وأن هناك مستقبلاً قيد التشكل.. الإصلاحات الاقتصادية القاسية لم تكن بلا ثمن..لكنها حافظت على درجة من الصمود في وجه العواصف..مصر ليست دولة ريعية بل تحاول جاهدة بناء اقتصاد إنتاجي متنوع ويصحح مساره رغم العثرات.
خامسا: الأمن القومي اهتمام شعبي
——
مصر هي الكتلة السكانية الأكبر في المنطقة والأمن القومي لم يعد جغرافياً فقط مصر تدرك أن معاركها الحقيقية من منابع النيل والحفاظ على السيادة وأمن الحدود الي الأمن الغذائي وصولا لمعارك لجان الإنترنت التي تهدف الي تحقيق حالة انهزامية دائمة في الفضاء الإلكتروني المصري..وبالتالي اصبح الأمن القومي المصري والحفاظ عليه لغة يتحدثها اكثر من ١٠٠ مليون مصري رغم تفاوت ادراكهم هذا التحول في عمق الفهم الشعبي واتساقه مع رسالة الدولة في كل مايمس الأمن القومي هو ما يجعل مصر أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات غير التقليدية.
كلمة أخيرة:في حق مصر واهلها وجيشها وقيادتها
——
الاتزان لا يعني السكون.. بل القدرة على الوقوف بثبات وسط الأمواج.. ومصر برغم كل ما يقال لا تزال تقف بل وتفكر وتخطط وتمسك بخيوط اللعبة الإقليمية دون أن تحترق بها..وقيادتها التي تُدير اللحظة بعين على المستقبل هي الضمانة الأهم لهذا التوازن.
#تحيا_مصر