منذ أكثر من 10 سنوات، اختارت مصر طريق التفاوض والعقلانية في تعاملها مع أزمة سد النهضة. ومنحت إثيوبيا الفرصة تلو الأخرى لإثبات حسن النية، بل وشاركت في كل جولة مفاوضات بدافع الحفاظ على استقرار القارة الإفريقية وتغليب التعاون على الصراع. ولكن، ما حدث في النهاية يؤكد أن مصر كانت تتفاوض مع طرف لا يعترف إلا بسياسة فرض الأمر الواقع.
وبعد الإعلان المصري عن انتهاء المفاوضات نهائيًا، أجد نفسي كمواطن مصري مؤيدًا بشدة لهذا القرار السيادي. فمصر لم تعد تتحمل مزيدًا من المماطلة الإثيوبية، ولا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديد وجودي يمس حياة أكثر من 100 مليون إنسان.
إثيوبيا: شريك لا يريد الاتفاق
لنتحدث بصراحة: أثبتت إثيوبيا طوال سنوات التفاوض أنها لا تبحث عن اتفاق، بل عن استهلاك الوقت لاستكمال ملء السد وتشغيله منفردة. لقد تجاهلت كل نداءات التعاون، ولم تلتزم حتى بمخرجات مفاوضات واشنطن أو الاتحاد الإفريقي. من هنا، لم يكن أمام مصر إلا أن تُعلن رسميًا إغلاق هذا الملف تفاوضيًا، لأن الاستمرار فيه لم يكن سوى إهدار للوقت وإضعاف للموقف المصري.
مصر دولة سلام… لكنها تعرف كيف تحمي حقوقها
مصر ليست دولة تسعى للصدام أو الحرب، لكنها حين يتعلق الأمر بالمياه – شريان الحياة – لا تملك رفاهية التردد. إعلان انتهاء المفاوضات هو رسالة قوية للعالم، بأن مصر لا تقبل التهديد أو الابتزاز، وأنها لن تُفرط في نقطة ماء واحدة من حقها التاريخي.
وعلينا أن نُدرك جميعًا، كمواطنين ومثقفين وإعلاميين، أن هذه اللحظة تتطلب دعمًا شعبيًا وسياسيًا ووطنيًا للقيادة المصرية، التي تعاملت بحكمة بالغة مع هذا الملف طوال السنوات الماضية، وآن الأوان أن تتحرك بشكل أكثر حسماً لحماية أمننا المائي.
انتهاء المفاوضات لا يعني نهاية المعركة. بل هو بداية لمرحلة جديدة قد تشمل تحركًا دبلوماسيًا دوليًا أكثر قوة، ولجوءًا إلى المؤسسات القضائية العالمية، وربما خيارات أخرى غير تقليدية إن لزم الأمر. لكن الأهم أن ندرك أننا أمام لحظة فارقة في تاريخنا الحديث، تتطلب وحدة الصف والكلمة.
سد النهضة لم يعد مجرد مشروع تنموي، بل ورقة ضغط سياسية استخدمتها إثيوبيا بلا أي اعتبار للجوار أو القوانين الدولية. ومصر، التي صبرت كثيرًا، أعلنت أخيرًا أن للصبر حدودًا. واليوم، نحن أمام لحظة القرار… فهل يفهم العالم أن مصر إذا اضطرت، ستدافع عن حقها بكل الوسائل؟