أكد العقيد حاتم صابر، خبير مقاومة الإرهاب الدولي وحرب المعلومات، أن البيان الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بشأن تواجد القوات المسلحة في سيناء، جاء “دفاعيًا هجوميًا” في آن واحد، حاملاً رسائل استراتيجية متعددة الأبعاد للداخل المصري والأطراف الإقليمية والدولية.
البعد الأمني: تأمين الحدود وتجاوز الشكوك
يوضح العقيد صابر أن البيان ركز بشكل مباشر على أن وجود القوات المصرية في سيناء هدفه الأساسي هو “تأمين الحدود ضد كل المخاطر، بما فيها الإرهاب والتهريب”. ويشير إلى أن هذه الصياغة الحكيمة تحمل في طياتها رسالتين محوريتين:
- للداخل المصري: “طمأنة الرأي العام بأن التحركات العسكرية ليست خروجًا عن المعاهدات بل لحماية الأمن القومي. هذا يعزز الثقة في القيادة ويقطع الطريق أمام أي محاولات للتشكيك في التزام مصر.”
- للخارج، وتحديداً إسرائيل والولايات المتحدة: “أن أي تعزيز عسكري في سيناء يتم ضمن حدود التنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام، وبالتالي لا يشكل خرقًا أو تهديدًا مباشرًا. هذه النقطة تحسم أي ادعاءات حول انتهاك المعاهدات.”
البعد القانوني والدبلوماسي: تحصين ضد الضغوط
يستطرد العقيد صابر مؤكداً أن البيان حمل بعداً قانونياً ودبلوماسياً بالغ الأهمية، يتمثل في التأكيد على أن مصر “لم تخرق معاهدة أو اتفاقاً”. ويوضح: “هذه الإشارة المباشرة تهدف إلى إغلاق الباب أمام أي ادعاءات بأن التحركات العسكرية المصرية مخالفة لاتفاقية كامب ديفيد. وهي بمثابة تحصين قانوني ودبلوماسي لمصر ضد أي ضغوط أو محاولات أمريكية-إسرائيلية لانتزاع تنازلات تتعلق بتواجد القوات في سيناء.”
البعد السياسي والإقليمي: سيناء خط أحمر والقضية الفلسطينية ثابتة
وفقاً لتحليل العقيد صابر، فإن البيان لم يقتصر على الملف الأمني والقانوني، بل ربطه مباشرة بالقضية الفلسطينية، حاملاً رسائل سياسية إقليمية قوية:
- رفض توسيع العمليات في غزة: “هي رسالة واضحة بأن مصر لا تقبل نقل المعركة أو تداعياتها إلى سيناء، وهو أمر حيوي لأمننا القومي.”
- رفض التهجير: “تثبيت لموقف مصر الرافض لتصفية القضية الفلسطينية عبر دفع سكان غزة إلى سيناء، وهو هاجس متكرر في الخطاب المصري ويعكس وعينا بالتهديد.”
- التأكيد على حل الدولتين: “يضع مصر في صف الشرعية الدولية، ويُظهرها كوسيط ملتزم بالسلام العادل، لا مجرد طرف دفاعي، مما يعزز دورها الإقليمي.”
الرسائل المضمنة: التزام بالسلام وأمن لا يقبل المساومة
يختتم العقيد حاتم صابر تحليله بتأكيد وجود رسائل ضمنية موجهة لأطراف متعددة:
- لإسرائيل: “أي محاولة للضغط لتقليص الوجود العسكري المصري في سيناء ستفشل، لأن تحركاتنا تتم بتنسيق قانوني ودولي.”
- للولايات المتحدة: “مصر ملتزمة بالسلام لكنها لن تقبل المساس بأمنها القومي أو فرض حلول لتصفية القضية الفلسطينية.”
- للفلسطينيين والعالم العربي: “مصر ثابتة على موقفها بدعم القضية الفلسطينية ومنع أي سيناريو تهجير قسري.”
ويشدد العقيد صابر على أن البيان يتسم بـ “التوازن بين الأمن والسلام”، فهو يؤكد على الالتزام بالسلام والاتفاقيات الدولية، وفي الوقت نفسه يثبت حق مصر الأصيل في تعزيز وجودها العسكري لمواجهة التهديدات المتزايدة على حدودها. “الخلاصة التحليلية”، يقول صابر، “أن البيان جاء دفاعيًا هجوميًا في نفس الوقت: دفاعي بإغلاق ثغرة التشكيك في التزام مصر بالمعاهدات، وهجومي بتجديد رفض أي خطط لتهجير الفلسطينيين أو تصدير الأزمة إلى سيناء. هو بمثابة رسالة مزدوجة: ‘مصر تحافظ على السلام، لكنها لن تفرط في أمنها القومي ولا في حق الفلسطينيين بدولتهم’.”