في عام 2015 طرحت مصر مبادرة لتأسيس جيش عربي موحد يعمل تحت راية اتفاقية الدفاع العربي المشترك. المبادرة جاءت في توقيت حساس، كانت فيه المنطقة العربية تواجه تحديات الإرهاب والانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية. ورغم ما حملته الفكرة من طموح مشروع لحماية الأمن القومي العربي، إلا أن المشروع تعثّر ولم يجد طريقه إلى التنفيذ. ومؤخرًا، أعلنت الجامعة العربية قبيل القمة الأخيرة – التي جاءت على وقع اعتداء إسرائيلي على سيادة قطر – أن الظروف غير مواتية الآن لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك. وهنا يفرض السؤال نفسه: لماذا يظل الحلم معلقًا؟
السبب الأول يرتبط باختلاف تعريف “العدو” بين الدول العربية. فبينما ترى بعض الدول أن الخطر الأول هو الإرهاب العابر للحدود، تعتبر أخرى أن إيران هي التهديد المركزي، في حين يضع قسم ثالث إسرائيل على رأس قائمة الأخطار. غياب رؤية موحدة يجعل من المستحيل أن يحدد جيش مشترك اتجاه بندقيته.
السبب الثاني هو التخوف من الهيمنة. مصر بحكم ثقلها العسكري، أو السعودية والإمارات بقدراتهما المالية، مرشحة للسيطرة على القرار العسكري. هذا التصور جعل بعض الدول تتحفظ خشية أن يتحول الجيش الموحد إلى أداة بيد طرف واحد يفرض أجندته. الجميع يريد دفاعًا مشتركًا، لكن دون التنازل عن السيادة الكاملة على قرارات الحرب والسلم.
أما العامل الثالث فهو ارتباط الجيوش العربية بمعاهدات وتحالفات دولية. معظم الدول تعتمد على الولايات المتحدة أو فرنسا أو الناتو في تسليحها وأمنها. هذه القوى لا ترحب بوجود جيش عربي مستقل قد يقلّص نفوذها أو يحد من مصالحها. وهكذا فضّلت بعض العواصم الحفاظ على التوازنات الدولية، حتى لو كان الثمن تعطيل مشروع عربي جامع.
ولا يمكن إغفال الانقسام الداخلي. الأزمات العربية المتلاحقة منذ 2011، والخلافات بين المحاور، وحصار قطر، كلها جعلت من الصعب بناء ثقة متبادلة. فإذا كانت الدول عاجزة عن تجاوز أزماتها الثنائية، فكيف لها أن توحد سلاحها في جيش واحد؟
ثم هناك التخوف من التورط في صراعات لا تخص الجميع. بعض الدول الصغيرة رأت أن الجيش الموحد قد يزج بها في مواجهات إقليمية مع إيران أو إسرائيل، أو في نزاعات داخلية بدول أخرى، وهو ما لا تملك إمكاناته ولا ترغب في دفع ثمنه.
أما ما يثير الدهشة فهو أن الاعتداء الإسرائيلي على قطر لم يصبح لحظة إجماع عربي. فقد تباينت المواقف من الدوحة بسبب تحالفاتها الإقليمية وعلاقاتها الخاصة، فتعاملت بعض العواصم مع الاعتداء ببرود، وكأن الخطر لم يمس بيت العرب بأكمله.
خلاصة القول: إن رفض إحياء مشروع الجيش العربي الموحد لا يعني غياب الوعي بالمخاطر، لكنه يعكس واقعًا من التباين في الأولويات، والشكوك المتبادلة، والارتباطات الدولية، والاعتبارات السيادية. سيظل الدفاع العربي المشترك شعارًا مرفوعًا، لكنه بعيد عن التنفيذ ما لم تتوافر إرادة سياسية تتجاوز الانقسامات وتدرك أن أمن الأمة كل لا يتجزأ .











