لم تفقد اليمن حقها في أرضها ، بل فُرض عليها أن تصمت عنه.
فمنذ معاهدة الطائف عام 1934، ثم معاهدة جدة عام 2000، تم تثبيت واقعٍ فرضته القوة لا العدالة، فانتقلت مناطق نجران وجيزان وعسير إلى السيادة السعودية تحت ضغط السلاح أولًا، ثم تحت ضغط السياسة والاقتصاد لاحقا ً.
لكن التاريخ لا يُمحى بتوقيع، ولا تُغيّر الجغرافيا بموازين القوة، فهذه الأرض كانت يوما ً امتداداً طبيعيا ً للهوية اليمنية، وجزءا ً من عمقها القبلي والديني والثقافي.

لقد كانت تلك الاتفاقيات بمثابة معاهدات إذعان لدولةٍ أُنهكت بحروبها الداخلية وتآمر الظروف عليها.
ومع ذلك، لم تمت الذاكرة اليمنية، ولم تُطفأ جذوة الانتماء؛ فالأرض التي خضّبتها دماء الأجداد لا يمكن أن تُنسى، والثروات التي سُلِبت من باطنها لا يمكن أن تُعتبر منحة لأحد.
اليوم يعيش اليمني بين أنقاض الجوع والخذلان، بينما تتدفق خيرات أرضه القديمة على جاره الغني في مفارقةٍ قاسية تختصر مأساة العدالة في منطقتنا العربية.
والأدهى من ذلك، أن الإعلام العربي غاب أو أُغيِّب عن طرح هذه القضية التي تمسّ كرامة أمةٍ بأكملها، فقد انشغل بالسطحيات، وترك حقّا ً تاريخياً يمنيا ً يُطمر تحت ركام التجاهل.
لا صوت يشرح جذور المشكلة، ولا منبرٌ يذكّر العالم بأن هذه الأرض لم تُنتزع بالتفاهم بل بالاضطرار، ولم تُمنح بالتبادل بل فُرضت بالقوة.
إنه صمتٌ إعلاميّ يوازي في قسوته صمت السياسة.
الوقت الآن ليس للعتاب ، بل للصحوة، وعلى اليمن أن يُعيد إحياء ملفه العادل، وعلى العرب جميعا ً أن ينهضوا من صمتهم لأداء واجبهم الأخوي والإنساني تجاهه — لا بالشعارات، بل بالمواقف والمطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات التي هضمت حقوقه التاريخية.
فاستعادة اليمن لسيادته على أرضه وثرواته ليست شأنا ً داخليا ً، بل قضية كرامة عربية وضمير إنساني في وجه منطق القوة.
هي ليست دعوة لحرب، بل
” لإعادة الاعتراف بالتاريخ ”.
المطالبة ليست بالضرورة اجتياز الحدود الحالية بالقوة، بل الاعتراف بأن هذه الأقاليم لم تكن “سعودية أزليا ً”، بل حُسمت لمصلحة الطرف الأقوى، وأن من حق اليمن اليوم أن يطالب بإعادة النظر في آثار هذا الإرث على ثرواته وكرامة شعبه
إنّ الأرض اليمنية لا تموت، والذاكرة لا تُشترى .. وإن غاب العدل زمنا ً؛ فإن صوته لا بد أن يعود، ما دام هناك من يؤمن أن الحق لا يسقط بالتقادم، بل ينتظر من يجرؤ على إحيائه.











