انتفض مجلس النواب نصرة للشقيانين والغلابة وأهالي المحروسة، الذين هاجمهم تجار البطون الخاوية بشراسة، مستغلين غياب الرقابة الحكومية على الأسواق ليفترسوا جميع الطبقات بلا رحمة أو وازع من ضمير، والنتيجة أن سماسرة الأزمات تغلبوا على الحكومة واحتكروا السلع وتحكموا في أسعارها وصنعوا لأنفسهم بورصات خاصة لا يهمها في المقام الأول إلا مصلحة المتحكمين فيها، ففرضوا إرادتهم على البلاد وفوق رقاب العباد.
مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، أثلج صدور المصريين جميعا ولأول مرة منذ انطلاق أعمال المجلس يلتف الشعب يدا واحدة حول أدائه الذي وصل إلى طموحات الفقراء والغلابة والكادحين في مواجهة نار الغلاء التي اكتوى الجميع بلهيبها، ولم ينجوا من حرائقها أحد حتى أصبح الكل في الهم سواء.
الهجوم الحاد لـ مجلس النواب على وزير التموين الدكتور على المصلحي، له أسبابه، والتي تعود إلى غياب الرقابة وعدم القدرة على مراقبة الأسواق والتجار وارتفاع الأسعار بشكل يومي وغير مسبوق ودون ضوابط، ونقص في سلع استراتيجية مثل السكر وارتفاع أخرى مثل الزيت والأرز والدقيق، ولم يتوقف الأمر عند هذه السلع بعينها بل أصابت الفوضى الأسواق وباتت السلعة الواحدة تباع بأكثر من سعر حتى في المكان الواحد.
لقراءة مقالات الكاتب الصحفي سامي أبو العز اضغط هنـــــا
نواب اتهموا الوزير بالفشل وفساد منظومة التموين، حيث واجه الوزير خلال الجلسة العامة للمجلس أمس الثلاثاء، سيلا من طلبات الإحاطة والأسئلة وطلبات المناقشة العامة، والتي وصلت في مجموعها إلى 98 أداة رقابية عن ضبط الأسواق ومواجهة الاحتكار.
السهام التي وجهت للوزير جاءت معبرة عن آلام الكادحين وتمثلت في آليات رقابة الوزارة على الأسواق لمواجهة الاحتكار وارتفاع الأسعار ونقص بعض السلع، وحول خطتها في الحفاظ على المخزون الاستراتيجي لمواجهة أزمة الغذاء العالمية، وعن أعمال تنقية بطاقات التموين ومنظومة الخبز وتطوير مكاتب التموين وغيرها.
الحقيقة أن وزير التموين لم يكن أمامه سوى الدفاع عن السياسة الحكومية في محاولة لتجميع وجه الحكومة أمام النواب والشعب في آن واحد، مرجعا مشكلات مصر إلى عدم استقرار سعر صرف الدولار أما الجنيه، وتأثير الصراعات العالمية وتطورات المنطقة، كما دافع الوزير عن المسؤولين قيد التحقيق التابعين لوزارته قائلا: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذه القضايا منظوره أمام جهات التحقيق».
باختصار.. حياتنا كلها باتت مرهونة بالدولار رخاء وشدة، وتاليا أبرز محطات الصراع بين الدولار والجنيه المصري خلال أكثر من قرن من الزمان.
• بداية نشير إلى أن الجنيه المصري ولد عام 1899 فتيا عفيا تنحني أمامه كل عملات العالم، حيث تفوق على الجنيه الإسترليني وعادل 5 دولارات أمريكية وكانت قيمة الجنيه الواحد تساوي 7.43 جرامات من الذهب، وظلت قيمته تتراجع ويتهاوى ويترنح حتى وصل إلى ما يقارب الـ60 جنيها في السوق الموازية حاليا.
• في عام 1914 وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى كان سعر الصرف للجنيه الإنجليزي يساوي 97.5 قرشا مصريا.
• ظل الجنيه المصري حتى عام 1939 يعادل 5 دولارات أمريكية حتى بدأ التراجع مع بداية الحرب العالمية الثانية.
• عام 1960 وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 0.35 جنيها تقريبا ثم ارتفع إلى 0.43 حنيها خلال الفترة بين عامي 1963 و1972.
• عاد الجنيه المصري للارتفاع عام 1973 ليتراجع سعر الدولار إلى 0.40 ثم 0.39 حتى عام 1978.
• عام 1979 خسر الجنيه المصري نصف قيمته ليصل سعر الدولار إلى 0.70 جنيها، وظل الجنيه مستقرا لتسع سنوات لتتراجع قيمته عام 1989 حيث وصل سعر الدولار 0.87 جنيها.
• في عصر الإصلاح الاقتصادي في بداية التسعينات بدأ الجنيه في التراجع ووصل سعر الدولار إلى 1.5 جنيها، وبعدها بعام إلى 3.14 جنيهات ليستقر عند 3.39 جنيهات عام 1998.
• عام 2002 تجاوز الدولار حاجز الـ4 جنيهات ليقفز إلى 6.28 جنيهات عام 2004.
• بعد ثورة 25 يناير 2011 بدأ الدولار في القفز أمام الجنيه ليصل إلى 8.88 جنيهات في مارس 2016.
• نوفمبر 2016 تم تحرير سعر صرف الجنيه ليصل سعر الدولار إلى 13 جنيها، ليرتفع في يناير 2017 إلى 18.94 جنيها.
• وظل الجنيه يترنح وتتراجع قيمته أمام الدولار حتى بات سعر الدولار مقابل الجنيه مؤخرا في السوق الموازية على مشارف الـ60 جنيها وفي السوق الرسمية بـ30.85 جنيها.
تبقى كلمة.. الدولار جننا، ومأساتنا التي نعيشها اليوم هي نتيجة سياسات خاطئة تقف خلف الارتفاع الجنوني للأسعار، وبالطبع ساهم الانخفاض المتوالي لقيمة الجنية في الحالة المأساوية التي تشهدها الأسواق.. الأمر يحتاج مجموعة اقتصادية على قدر الحدث، وحكومة شعبوية يكون همها الأول هو حماية البطون اليابسة من الموت جوعا، وفرض الحماية والقوانين الصارمة والرقابة بقوة لحماية الوطن والمواطنين من أجل غد مشرق للأجيال القادمة.