تأخر كثيراً قرار مجلس الأمن بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي جاء بعد قرابة ستة أشهر من بدء إسرائيل تنفيذ حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وخرج القرار للنور بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت وعدم استخدامها لحق الفيتو لمناصرة الاحتلال اليهودي للمرة الأولى من تاريخها.
امتناع أمريكا عن التصويت ليس حبا في الشعب الفلسطيني ولا تصدي لجرائم الحرب التي يرتكبها المحتل في غزة، وإنما بسبب خلافات بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية ظهرت على السطح خلال الأيام الماضية، وامتناع أمريكا عن التصويت، «قرصة ودن» لنتنياهو الذي أخذته العزة بالإثم فبدأ يغرد منفرداً بعد سيطرة اللوبي اليهودي على مراكز اتحاذ القرار الأمريكي.. والأمر الآخر أن بايدن الذي تدهورت شعبيته بسبب الانحياز الأعمى لليهود أصبح يهدد فوزه في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
القرار خطوة إيجابية تجاه تخفيض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، والأهم حماية الشعب الفلسطيني من العدوان الغاشم لجيش الاحتلال، وقد يسهم في وقف إطلاق نار دائم، كما أنه استرداد لدور وهيبة الأمم المتحدة في حفظ السلام والأمن الدوليين، ويمثل إقرار بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائیل بحق الفلسطينيين، والتي تعد ضد الإنسانية، ومؤشرا على فضح الاحتلال أمام المجتمع الدولي.
إسرائيل وجدت نفسها لأول مرة تواجه العالم منفردة في غياب الفيتو الأمريكي الداعم الأكبر والحامي لكل جرائمها على مر التاريخ، وأثار تمرير القرار غضب نتنياهو خاصة بعد امتناع واشنطن عن مساندة حليفتها تل أبيب، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى إلغاء زيارة وفد لها إلى واشنطن لمناقشة العملية العسكرية التي تسعى لشنها على رفح الفلسطينية.
القرار في مجمله انتصاراً للمقاومة الفلسطينية من غزة ورسالة شديدة اللهجة إلى تل أبيب مفادها أن العالم لن يغمض جفنه عن الجرائم اللا إنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق الفلسطينيين، وإنها ملزمة بتنفيذ القرار ولا توجد لديها خيارات للمراوغة تجنباً لتعرضها لعقوبات دولية قد تتضمن حظر تزويدها بالأسلحة.
وعلى الرغم من هجوم نتنياهو والعديد من المسؤولين في حكومته على القرار الذي لقي تأييداً دوليا وترحيبا جماعياً، إلا أن هناك ثغرة في صيغة القرار قد تلجأ إليها إسرائيل للمراوغة ومواصلة الحرب، حيث إنه لم يحدد تاريخاً دقيقاً لوقف إطلاق النار فإنه أشار إلى أن ذلك يجب أن يتم خلال شهر رمضان أي خلال 15 يوماً المتبقية في الشهر الفضيل، وكان يفترض أن يكون ذلك مشروطاً بمدة زمنية محددة لتحديد بدء التنفيذ الفوري.
باختصار.. مجلس الأمن الدولي انتصر للفلسطينيين ولقضيتهم العادلة، وباتت إسرائيل في غياب الدعم الكامل لحليفتها واشنطن في وضع يصعب عليها الاعتراض على قرار وقف إطلاق النار أو عدم الالتزام به مهما كانت قوة الضربة الموجهة إليها، لأنه في حال اعتراضها سوف تفعل الأمم المتحدة البند السابع لفرض عقوبات على إسرائیل ومن يتعامل معها.
تبقى كلمة.. الصفعة التي وجهتها أمريكا إلى إسرائيل أفقدتها توازنها، وجاء استجابة للضغط الدولي والعربي والإسلامي على واشنطن لدفع حليفتها لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.. والآن الدول العربية والإسلامية مطالبة بتكثيف الجهود في عمليات الإنقاذ والإغاثة لإعادة الروح إلى قطاع غزة والأشقاء الفلسطينيين الذين واجهوا أكبر مجزرة بشرية في العصر الحديث على يد جنود الاحتلال.. ألا إن نصر الله قريب.