غارقون في الكذب والتدليس.. منذ وقت ليس بكثير وما هو بقليل، ونحن نعيش حياة صعبة، نسبح في ويلات الهموم، نتنفس هواءً مليئا بكل ما هو مثير للاشمئزاز، العين لا ترى إلا ما هو مؤذي، والأذن لا تسمع إلا الأنين، أزمات هنا، صراعات هناك، تحديات في الأمام، وصعاب من الخلف، جحيم من اليمين، ونيران من اليسار، وأمور مرهقة في الأعماق.
نغوص ونغوص حتى بتنا غارقون في الكذب والتدليس، ليبرر كل ما حولنا فعلته وآثامه، الجميع يوشي ويكذب ربما يدري أو لا يدري، وربما يتعمد الواشية والتدليس وربما لا يقصد ذلك، لكن لم نرى وشاية وكذبا ككذبة هؤلاء، الذين كذبوا حتى نسوا أنهم كاذبون، وظنوا أنا باطلهم حق، والحق باطل.
قرابة الـ ٤ أشهر تقريبا، والأذان صامة، والأعين ضريرة عما يحدث في الشقيقة غزة، وعما يراه الأشقاء هناك، مشاهد سينمائية حقيقية، تعجز الآلات والكاميرات والسيناريوهات ويعجز كذلك المؤلفون والكتاب والمخرج عن إخراج مثلها، ولأننا غارقون فيها يوميا، اعتدناها تقريبا، وبات ذلك مألوفا وعاديا لدى الجميع، أطفال ينامون في وحل البرد القارص، وعجزة ومسنون ترتجف عظامهم الخاوية من مياه الأمطار، وضرر الأمهات جفت من لبن الرُضع، ولم يُحرك ذلك ساكنا.
ولأننا غارقون في الكذب والتدليس، وفي محاولات لحفظ ماء الوجه العفن، لا تتعجب من قادة وزعماء يتهافتون على الحديث باسم الإنسانية، وكيف تُمنع المساعدات والإغاثات؟، يتصارعون على التصريحات الإعلامية والتلفزيونية ليسجلوا مواقفهم المخذية والمتخاذلة بأنهم يدعون أن يزيح الله الغمة، ويبذلون جهودا كبيرة ويسعون حثيثا من أجل إغاثة المستغيثين، بينما يضعون ذيولهم السامة من الخلف حاجزا أمام الأونروا وتمويلها لمنع المساعدات عن أهل غزة، حتى يتضوروا جوعا طالما لا يستجيبون لدعوات بيع الأرض والعرض والتهجير وتنفيذ المخططات بالحسنى، ولا بأس ببعض الاتهامات والأكاذيب بحق دول أخرى، المهم أن يمارسوا التضليل حتى تشبع رغبتهم.
غارقون في الكذب والتدليس، هذه الصورة الحقيقية، لكنها زودت بمشاهد قاسية على القلب ومن قاسية قلوبهم كالحجار أو أشد قسوة، ولا حياة لمن تنادي، غارقون في الكذب والتدليس وجميعنا يعلم قرابة الدول التي علّقت تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، عقب مزاعم إسرائيلية بارتباط عدد من العاملين فيها بهجوم “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، بينهم أمريكا التي يتحدث بايدن عبر تصريحاته الأخيرة عن رفضه عـ ـنـ ـف المستوطنين في الضفة الغربية باعتباره يهدد الأمن القومي والمصالح الخارجية لـ الولايات المتحدة، وكذلك كندا وفرنسا وألمانيا واليابان ونيوزيلندا وسويسرا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا واستراليا وغيرهم وغيرهم.
غارقون في الكذب والتدليس، ولا أمل لنا إلا في الله بأن الصبح آتٍ لا محالة، والليل ماضٍ مهما طال.