أعطت الحكومة الإسرائيلية جيش الاحتلال الضوء الأخضر للانتقال بشكل تدريجى إلى المرحلة الثالثة خلال الشهر الجاري، من حرب الإبادة الشاملة التى شنتها على غزة فى السابع من أكتوبر الماضى.
ووفقًا لما أعلنه يوآف غالانت، وزير دفاع جيش الاحتلال عقب انطلاق العملية العسكرية، فإن الحرب على غزة تتكون من 3 مراحل تهدف جميعها إلى القضاء على حركة حماس وإنشاء نظام أمنى جديد فى القطاع يحمى أمن إسرائيل.
المرحلة الأولى، تضمنت حملة عسكرية بالنار، ثم مناورة «حرب برية» بهدف تدمير البنية التحتية من أجل هزيمة حماس وتدميرها، وإعادة الرهائن والمحتجزين.
المرحلة الثانية، القتال بكثافة أقل، حيث تعمل القوات على القضاء على جيوب المقاومة.
وقد أسفرت المرحلتان الأولى والثانية للحرب على مدار نحو 9 أشهر وحتى أمس الأول عن 37900 شهيد على أقل تقدير، غالبيتهم من النساء والأطفال، وبلغ إجمالى عدد المصابين 87060 إصابة، بالإضافة إلى وجود عدد من الضحايا يقدر بالآلاف، لا يزالون تحت الركام وفى الطرقات، ويصعب وصول فرق الإنقاذ إليهم، لتتحول غزة إلى أكبر مقبرة مفتوحة فى العالم، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة وتسوية المنازل بالأرض، وتحويل القطاع إلى مكان لا يمكن العيش فيه.
وتتضمن المرحلة الثالثة إنشاء نظام أمنى جديد فى قطاع غزة، وإزالة مسئولية إسرائيل عن الحياة اليومية فيه، وخلق واقع أمنى جديد لمواطنى إسرائيل والمنطقة المحيطة بقطاع غزة.
إسرائيل تعتزم الإعلان قريبًا عن انتهاء العملية العسكرية البرية التى تشنها على مدينة رفح، وفقًا لتقرير إسرائيلى صدر مؤخرًا، فيما يكثف نتنياهو مشاوراته بمشاركة وزير الأمن غالانت، ورئيس أركان الجيش، هرتسى هليفي، وقائد المنطقة الجنوبية وغيرهم من القيادات فى هيئة الأركان العامة، حول نهاية العملية فى رفح والتغيير الدراماتيكى فى أسلوب الحرب، وفقًا للقناة «13» الإسرائيلية.
جيش الاحتلال سوف ينتقل إلى مرحلة المداهمات والاقتحامات المركزة والمحددة المصحوبة بهجمات جوية، فى ظل تصاعد المخاوف من اندلاع حرب شاملة على جبهة لبنان بين جيش الاحتلال وحزب الله، فى ظل التهديدات المتبادلة.
نكبة غزة الحالية التى كشفت عوار المجتمع الدولى والخذلان الإسلامى والعربي، أحدثت تغييرًا جذريًا فى تاريخ النضال الفلسطينى، حيث كانت النكبة الأولى عقب حرب 1948، والتى تعد أولى الحروب بين العرب والإسرائيليين، وكانت نتيجتها مأساة إنسانية كبرى، حيث طرد فيها الشعب الفلسطينى من بيته وأرضه وخسر وطنه، لصالح إقامة الدولة اليهودية.
وكانت المحطة الثانية للنكبة عام 1967، حيث خسر الفلسطينيون فيها ما تبقى من أرضهم، وكانت لها العديد من التأثيرات السلبية المباشرة، كما أنها كانت تمثل دلالة واضحة على العجز العربي، فى مواجهة جيش الاحتلال الأمر الذى منح البندقية الفلسطينية شرعيةً غيرت ملامح تاريخها النضالى.
وكانت النكبة الحالية للقطاع هى الأسوأ فى حرب تسونامى إنسانى ضد البشر والحجر وكل مقومات الحياة، ليؤكد العجز العربي، ويكشف خطورة الانشقاقات الفلسطينية، وتواطؤ فصائل من الداخل ومجموعات من الخارج ومحاولات البعض التربح على أطلال الدولة الفلسطينية ورفات آلاف الشهداء فى أرض الرسل والأنبياء.
باختصار.. آلاف الشهداء من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ الذين دفعوا أرواحهم دفاعًا عن أرضهم وعرضهم، فى أكبر جسر جنائزى بين الأرض والسماء، وكتبوا بدمائهم شهادة وفاة أكثر من 2 مليار عربى ومسلم حول العالم.
أما سماسرة الحروب والأزمات والكوارث سواء كانوا دولًا أو مؤسسات، فإنهم أكثر الناس استفادة مما لحق بغزة من دمار وخراب، وكلهم بالطبع يأملون الاستثمار فى الحجر، لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد مع الذئب الصهيونى، متناسين أن الذئب ليس له دين، وأن الدوائر تدور وسوف يسقى كل ساق بما سقى.