هموم ومشاكل المصريين كثيرة ومتنوعة، وتختلف أولويات المشاكل من شخص لآخر حسب أهميتها وتأثيرها في حياته وحسب قناعاته واحتياجاته، وقد تختلف أيضا وفقا للبيئة التي يحيا فيها، لكننا نتفق جميعا على أنها بالنسبة له مسألة مصيرية فالحياة في وجودها جحيم لايطاق.
وهذا لايعني أن مشكلة واحدة هي ماتؤرق حياتنا وتطير النوم من أعيننا، ولكن المشاكل لا تأتي إلينا فرادى لكنها تبحث عنا وتتكالب علينا ولا تود مفارقتنا، وبات عدم وجود أخبار جديدة بالنسبة لنا، هو الخبر الجيد الذي ننتظره وهذا في حد ذاته خير، لأنه في كل جديد مشكلة جديدة.
تجمع المشاكل على كاهل المصريين في كل ما يتعلق بحياتهم تقريبا، جعلهم كمن يحيا في بحر هائج في ظل عواصف ورعد لا تستقر أمواجه ولا سماؤه، تحيطه المخاطر من كل جانب، الأمر الذي يطير النوم من جفونهم ويزيد معركة الحياة شراسة وعنفوان كل يوم عن سابقه.
المعارك الحياتية اليومية أسبابها متنوعة بعضها ثابت ومتكرر وغالبا يتعلق بالروتين اليومي المرتبط بالاحتياجات الأساسية التي تمثل عنق الزجاجة الذي يضيق أكثر كل يوم .. أما الشق المتغير فإنه يتعلق بارتفاعات أسعار السلع والخدمات المرتبطة بأموره الحياتية دون ضوابط وبصورة تفوق الاحتمال، بالإضافة إلى فواجع الليل والنهار التي ليس لها من دون الله كاشفة.
من المسؤول عن تلك الهموم، هل هو المواطن الذي لم يدخر من أيام الفرج للشدة؟ أم أنها الدولة هي التي أخطأت في حساباتها وتقديراتها وأعطت أمورا أهمية وأغفلت أخرى تستحق فأختل الميزان؟ أم أنه غياب الخطط المستقبلية والدراسات الوافية للتعامل مع السينياروهات المرتقبة في ظل التغيرات المحلية والإقليمية والدولية؟
بداية مصر تفتقد إلى أجهزة رصد دقيقة تعمل على مراقبة الجبهة الداخلية ورصد معاناة المواطنين وهمومهم والمشاكل المستجدة والأخرى المتفاقمة وتأثيراتها السلبية وانعكاساتها على الفرد والمجتمع والدولة، وما يصاحب ذلك من التأثير بصورة سلبية على الإنتاجية والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى.
هذه الأجهزة أو اللجان المتخصصة ترصد المشاكل وتقترح الحلول لتتحول إلى صيغ تنفيذية على أرض الواقع بصورة إلزامية عبر الوزارات المختصة، ولا نبالغ إذا قلنا أنهم مطالبون بتوقع المشاكل والحيلولة دون حدوثها، حماية للمواطنين من تأثيراتها، وتوفيرا لجهد الدولة في التحرك كرد فعل لمواجهة المشكلة بعد حدوثها الأمر الذي يدفع ثمنه الجميع غاليا.
ويمكن لكل وزارة أن تستحدث بداخلها إدارة الأزمات والكوارث يكون جزء من مهامها رصد شكاوى المواطنين فيما يتعلق بطبيعة عملها، ووضع الحلول العاجلة لتخفيف الأحمال عن كاهل الناس قدر المستطاع، ومن وزارة لأخرى، إذا أخلص الجميع النوايا سوف يتناقص جبل الهموم كل يوم عن اليوم الذي قبله، الأمر الذي ينعكس إيجابيا على الوطن والمواطنين.
نحتاج أن تخصص كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة أرقاما ساخنة مجانية لأصحاب الهموم والمشاكل تعمل على مدار الساعة في تلقي الشكاوى والعمل الجاد على إزالة أسباب الشكوى، بشرط أن يتوفر أكثر من خط، وألا نسمع العبارة الشهيرة هذا الرقم مرفوع مؤقتا من الخدمة، وأن يتم التواصل مع الشاكي من المسؤول وإزالة أسباب الشكوى فردية كانت أو جماعية، والأهم أن يتم تدريب الموظفين جيدا على التعامل مع أصحاب الشكاوى وامتصاص غضبهم، وتصعيد المشاكل إلى إدارة الأزمات لدراسة أسبابها والحيلولة دون تفاقمها أو تكرارها.
حق الشكوى مكفول دستوريا ودينيا وأخلاقيا، وكلما كان متاحا بطرق علمية وخطوات دقيقة في كل مراحلة، كلما كانت نتائجه إيجابية، وأحدث فارقا كبيرا في حياة المواطنين وتعاملاتهم اليومية، وانعكس بصورة إيجابية على الدولة ودورها الهام في إقرار الحقوق الثابتة للمواطنين والحفاظ عليها وترسيخ المبدأ الدستوري في المساواة بين جميع أفراد الشعب من حيث الحقوق والواجبات.
باختصار.. ديوان المظالم ليس رفاهية ولكنه حق أصيل يعالج إخفاقات الأجهزة التنفيذية، ويحمي حقوق المواطنين، ويعيد الحق المسلوب لأصحابه، ويرسي مبادئ الشفافية والمساواة والعدل، والأهم أنه يعيد الرضا إلى حياتنا ويمسح دموع المظلومين والمقهورين ويعيد الابتسامة إلى الوجوه العابثة ويجدد الأمل في غد مشرق بقلوب المصريين.