في اللحظة التي اقترب فيها العالم من مواجهة مفتوحة بين إسرائيل/أمريكا وإيران، كانت أنقرة تراقب المشهد بقلقٍ عميق، فتركيا، رغم عدم مشاركتها المباشرة، كانت ستدفع ثمنًا جيوسياسيًا باهظًا لو انفجرت إيران أو سقطت، وربما دخلت في أخطر تحدٍ استراتيجي منذ عقود. مصير تركيا إذا سقطت إيران لو نجحت الحرب على إيران، فإن تركيا كانت ستواجه تداعيات كارثية، أولها انفجار حدودها الشرقية بفوضى لا يمكن احتواؤها. إيران دولة جوار مباشرة، وسقوطها كان يعني نموذجًا جديدًا من “الدولة الفاشلة” على أبواب تركيا، شبيه بما حدث في العراق وسوريا. لكن الأخطر كان تعاظم الدور الكردي؛ فكلما ضعفت الدولة المركزية في طهران، تمددت طموحات الأكراد في إيران والعراق وسوريا، ما يُشعل مجددًا حلم “كردستان الكبرى” ويهدد الأمن القومي التركي في الصميم. أضف إلى ذلك أن غياب إيران كان سيفتح الطريق أمام تمدد نفوذ أمريكي وإسرائيلي مباشر في مناطق استراتيجية قرب حدود تركيا، بما يخلّ بمبدأ التوازن الإقليمي الذي كانت أنقرة تحرص عليه دومًا. الأكراد بين الحلم والتوظيف مستقبل الأكراد يرتبط دائمًا بضعف الدول التي يتوزعون فيها، وبدعم خارجي غالبًا ما يكون ظرفيًا. في حال تفككت إيران، كان الأكراد سيحققون مكاسب غير مسبوقة، وقد يظهر كيان شبه مستقل في الشمال الإيراني، يُضاف إلى وجودهم الفعلي في شمال العراق وسوريا. لكن هذه الطموحات كانت ستُفجّر صراعًا مع تركيا، لا سيما أن أنقرة تعتبر أي كيان كردي موحد تهديدًا وجوديًا، خصوصًا إذا دعمته واشنطن أو تل أبيب. وبالتالي؛ يبقى الأكراد في حالة انتظار (إما الاستفادة من الفوضى المقبلة، أو العودة إلى مربع التفاوض على حكم ذاتي محدود). تحولات السياسة التركية تركيا أدركت مبكرًا أن إيران إذا سقطت، فإنها ستُترك وحدها في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولذلك بدأت بتحولات لافتة : - أولها التقارب مع الخليج ومصر وحتى إسرائيل، في محاولة للتحصين الإقليمي. - ثانيها التصعيد ضد الوجود الكردي المسلح في شمال سوريا والعراق.- وثالثها الإبقاء على قنوات الحوار مع إيران، رغم الخلافات، تجنبًا لسيناريو الانهيار التام، كما أعادت تركيا إحياء دورها كوسيط إقليمي، إدراكًا منها أن التوازن هو السبيل الوحيد للحفاظ على أمنها ومصالحها، بإيجاز
لقد كانت الحرب المحتملة على إيران أكثر من مجرد معركة إقليمية؛ كانت مفترق طرق حقيقيًا لمستقبل تركيا والأكراد ومجمل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.وبينما تأجلت الحرب، لم تتأجل آثارها؛؛ فتركيا اليوم تسابق الزمن لإعادة ترتيب أوراقها، والأكراد يترقبون فرصة سانحة، واللاعبون الكبار يعيدون تموضعهم على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، حيث لا مكان للفراغ، ولا مغفرة للضعفاء.