هل تشفي بحور الدماء في غزة غليل اليهود؟ وهل يكفي استشهاد وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني لإشباع رغبة جيش الاحتلال في الانتقام من أهالي القطاع؟ والسؤال الأهم هل شعرت إسرائيل بالمأزق الكبير الذي أصبحت فيه بعد اندلاع حرب غزة؟
الإجابة على هذه التساؤلات ببساطة أن جيش الاحتلال أصبح بين أمرين كلاهما مر، الأمر الأول إما الانسحاب من غزة خاصة بعد فشله في تحقيق أهدافه المعلنة، واستجابة للرأي العام الإسرائيلي الذي بات رافضا بشدة للحرب نظرا لتأثيرها المدمر على الاقتصاد الإسرائيلي، ولفشل الجيش في العودة بالرهائن، وارتفاع نسبة القتلى والمصابين بين صفوفه، وفي هذه الحالة سيخضع نتنياهو وقادة الجيش للمحاكمة وربما انتهى مستقبله السياسي للأبد.
الأمر الثاني وهو الاستمرار في الحرب مهما كانت النتائج، وهذا الاتجاه أكثر مرارة، لأنه في حالة استمرار الخسائر -وهذا هو المتوقع- فسوف يلقى رئيس وزراء الاحتلال نفس المصير، وربما كانت نهايته السجن قبل أن يلقى في مزبلة التاريخ.
نتنياهو الذي رفض مبادرات السلام العربية الأمريكية لإنهاء الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية، بل إنه صرح في غطرسة لم يسبق لها مثيل على المبادرة بضرورة فرض سيطرة إسرائيل على المنطقة كلها من النهر إلى البحر، الأمر الذي يكشف خبث نوايا اليهود وأنهم بهذه الطريقة ربما يفقدون جزء كبير من الدعم الأمريكي في الحرب المشتعلة الآن.
في الحالتين فإن نتنياهو يواجه مصيرا مظلما مبني على رعبه من الفشل، مما يعني انهيار نظريته الأمنية وفكرة الملاذ الآمن لليهود التي بنى عليها حرب الـ106 أيام على غزة حتى الآن دون تحقيق نتائج إيجابية في هذا الملف، فبقاء المقاومة وصمودها ونجاحها بل والتفاف الأهالي حولها سيكون له انعكاس إيجابي كبير على الفلسطينيين مستقبلا بل على المنطقة كلها.
إسرائيل التي دخلت الحرب على غزة بهذه القوة والجبروت والعدة والعتاد، لا تدري كيف تخرج منها محتفظة بماء الوجه، لأن سقف طموحاتها كشفت الأيام أنه أقل بكثير من إمكانياتها.. بل بات الانشقاق داخل الحكومة نفسها يهدد بسقوطها في أي لحظة.
خسائر الاحتلال مستمرة بلا توقف منذ الضربة الأولى التي وجهت له في السابع من أكتوبر الماضي، ورغم عمليات الكتمان خوفا من تأثيرها السلبي على الجبهة الداخلية، فهناك توقعات بزيادة الخسائر الإسرائيلية عن 50 مليار دولار أمريكي في ظل تعطل السياحة والعديد من القطاعات الاقتصادية.
الإسرائيليون أنفسهم تعرضوا لعمليات نزوح كبيرة من مناطق غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة بعيدا عن خطوط المواجهة، فهناك 500 ألف مستوطن يهودي على أقل تقدير فروا وتركوا منازلهم في رعب وخوف، الأمر الذي زاد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية.
وهناك 250 ألف يهودي لم يجدوا أمانا وغادروا الدولة إلى بلدان العالم المختلفة بحثا عن الاستقرار بعيدا عن صواريخ المقاومة وحالات الرعب والفزع التي أصابتهم وحولت ملاذهم الآمن إلى زلزال يهدد وجودهم.
باختصار.. الربيع الغزاوي أصاب تل أبيب في مقتل وقضى على أحلام اليهود التوسعية في المنطقة، بل إنه أنهى حلم نتنياهو السياسي إلى الأبد، وأصابت هذه الهزة السياسية الأحزاب الإسرائيلية في مقتل خاصة حزب الليكود الحاكم القابع على رأس السلطة منذ 15 عاما.
تبقى كلمة.. طوفان الأقصى وضع المسمار الأخير في نعش نتنياهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل حكما منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي متفوقا على مؤسس دولة إسرائيل دافيد بن غوريون.
غزة تمرض لكنها لا تموت.. فوعد الله حق والله محقق وعده لا محالة، أما نتنياهو فقد باتت أيامه معدودة وغدا ترفرف أعلام دولة فلسطين فوق المساجد والكنائس لتعيد الحياة إلى قلب العروبة.